ما فتئ حكام بلادنا الخاضعة للغرب وحكوماتنا الموالية لهم تمعن في رهن شعوبها للكافر المستعمر ويظهر هذا في عمل الحكومات المتعاقبة على مصادقتها على الاتفاقيات الدولية رغم علمها بعلوية هذه الاتفاقيات على الدستور ورغم ما تحويه هذه الاتفاقيات من تناقض مع عقيدتنا وثقافتنا وحتى مع واقع حياتنا.
ولعل ما أقدمت عليه سلطة الإشراف من طلب للاتحاد الأوروبي لقبول تونس في اتفاقية لانزاروت في السنوات الأخيرة عقدة جديدة تضاف إلى سلسلة كاملة من التنازلات والانحناءات التي يقدمها حكامنا وندفع نحن ضريبتها غاليا. فلم يكف هؤلاء ما وصلنا إليه من انحطاط بسيرنا وفق رؤى الغرب وباعتمادنا على طريقة عيشه وبتبنينا لطريقة تفكيره، التي أورثتنا ويلات وويلات لكنها لم تُنسنا عقيدتنا ولم تنجح في فك ارتباط المسلمين بدينهم بعد محاولات متعددة وأساليب مختلفة، فكان لا بد من خطة جديدة تمكن الغرب من فك ذلك الارتباط. استوجب هذا أن تتغير الاستراتيجية المعتمدة طالما أنها لم تحقق الهدف المطلوب. فالعمل على فئة الشباب والكهول حقق جزءا من الغاية وبقيت أجزاء. ولذلك سيكون العمل مركزا على الناشئة، فهم الأرضية التي يرى الغرب أنها ستضمن نجاح مخططاتهم وتمكنهم من فك أي ارتباط أو أي تأثير على الدين والعقيدة على المسلمين.
اتفاقية لانزاروت هي معاهدة مجلس أوروبا بشأن حماية الطفل من الاستغلال والاعتداء الجنسي، ومن أهم أهدافها تحقيق وحدة أكبر بين أعضائه، ومن أهداف المجلس الأوروبي تعزيز الإصلاح الديمقراطي في دول جنوب المتوسط. أي وحدة يمكننا الحديث عنها مع الاتحاد الأوروبي وأي انتقال ديمقراطي هذا؟!
من خلال هذه الأهداف يتضح أن الاتحاد الأوروبي واحد من بين مستعمرين يريدون فقط بسط سلطتهم على بلادنا، وبالتحديد هم يعملون على إحكام قبضتهم على تفكيرنا من خلال التوجه للأطفال بزعم حمايتهم من الاتجار بهم أو استغلالهم استغلالا جنسيا، وبذلك تمكن الاتحاد من تمرير توصياته وفرضها على أبنائنا. حيث إن إدراج "مادة التربية الجنسية" الذي روجت له وزارة التربية والتعليم والذي كانت الوزارة قد لجأت إليه للحد من ظاهرة التحرش داخل الفضاء التعليمي ما هو إلا أحد وصايا مجلس الاتحاد الأوروبي فقد جاء في الفصل السادس من اتفاقية لانزاروت "تتخذ كل دولة طرف التدابير التشريعية اللازمة أو تدابير أخرى ضرورية حتى يتسنى للأطفال، خلال مراحل التعليم الابتدائي والثانوي، تلقي معلومات ملائمة لمرحلة نموهم عن مخاطر الاستغلال والاعتداء الجنسي وعن بعض الطرق لحماية أنفسهم. وتندرج هذه المعلومات المقدمة، عند الاقتضاء، بإشراك الآباء، في إطار المعلومات العامة حول الحياة الجنسية مع إيلاء عناية خاصة للحالات المحفوفة بالمخاطر، بما في ذلك تلك الناتجة عن استخدام التكنولوجيا الجديدة للمعلومات والاتصال".
بعد موافقة الاتحاد الأوروبي على انضمام تونس للاتفاقية لم يبق على بلادنا إلا اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيلها فلا مجال لعدم الالتزام لأن كل الاتفاقيات الدولية لها صفة العلوية على الدستور. لهذا كان التشهير الإعلامي ببعض حوادث التحرش في عدد من المدارس وتهويلها وتحريك الرأي العام ضدها لغاية واحدة وهي أن نفتح بابا للبحث عن حل للظاهرة والحل جاهز مسبقا ألا وهو تفعيل ما جاء في البند السادس من اتفاقية لانزاروت. بهذا الشكل يتم إيهام الشعب بأن الدولة تعمل على حل مشاكله وبنفس الشكل يعتقد الشعب بأن مثل هذه الظواهر جديدة ولم تكن موجودة في حين إنها كانت موجودة ولكن يتم التكتم عليها حتى لا يخضع موظف للعقوبة، لكن توقيع اتفاقيات دولية يجعلنا نغير طريقة التعامل مع الحدث. وفي الحالتين حكومتنا لا تعمل على حل مشكلة قائمة في الواقع ولكنها تراعي مصلحة طرف ما فقط.
بموجب هذه الاتفاقية أحدثت هيئة سميت بهيئة مكافحة الاتجار بالبشر تترأسها القاضية روضة العبيدي وأصدرت تقريرها الأول لسنة 2018 وتقريرا لسنة 2019. وقد تحصل على جائزة أفضل تقرير لمكافحة الاتجار بالبشر لسنة 2019، تسلمت رئيسة الهيئة الجائزة في مقر وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن من طرف وزير خارجية أمريكا، وقد اعتبرت الهيئة هذه الجائزة انتصارا لتونس لجهودها في الإحاطة بالضحايا والتعاون مع منظمات المجتمع الدولي وتكوين المتدخلين.
لم تعد الهيئة استراتيجية للقضاء على الظاهرة، ولم تقض عليها، لكنها تحصلت على جائزة، لأنها أدت الواجب وفتحت مجالا للغرب حتى يدرب المسلمين على التعامل مع مثل هذه الظواهر. إن هذه الجائزة تميط اللثام على الدور الحقيقي لها ويظهر جليا أنها بوابة للغرب ليمرر المزيد من أفكاره وثقافته عن طريق الأيام التكوينية والدورات التدريبية.
يعتبر الفوز بمثل هذه الجائزة مغنما للسياسيين لأن أهم ما يعنيهم هو رضا الغرب عنهم، لذلك تجدهم على أتم الاستعداد لقبول أي قانون وتمرير أي اتفاق، بل إنهم مستعدون لكل تنازل حتى لو كان إبادة شعب بأكمله دون لحظة تفكير. فالعاقل يطرح سؤالا هل أن ظاهرة الاتجار بالبشر في تونس لها نفس واقع الظاهرة في المجتمعات الغربية؟ ما الذي يدعو تونس لطلب الانضمام لهكذا اتفاقيات؟ لكننا في زمن التنازل دون النظر للتبعات!!
بقلم: الأستاذة سهام عروس
رأيك في الموضوع