عناصر القوة في أيّة أمّة من الأمم تتمحور في سبعة عناصر هي:
أولاً: قوة الفكرة (المبدأ) أو ما يُسمّى بالأيديولوجيا:
إنّ قوة الفكرة التي تمتلكها أيّة أمّة من الأمم هي أساس جميع القوى المادية لديها، بل إنّ كل القوى المادية تفتقر إليها، وبدونها ممكن أنْ تنهار جميع القوى الأخرى، أو ربّما تتلاشى في أية عملية احتكاك حضارية مع القوى الفكرية الأخرى التي تمتلكها الشعوب التي احتكت بها.
فمثلاً كانت القوة المادية والعسكرية الضخمة للمغول أيّام جنكيز خان لا تُضاهيها أية قوة في العالم، فبسطت سلطتها على عشرين بالمائة من مساحة الكرة الأرضية في العقد الأول من بروزها، لكنّها سرعان ما انهارت في أقل من ربع قرن، أي في الجيل الثاني الذي تلا جيل مؤسّس الدولة، ولم تصمد دولة المغول العملاقة أمام قوة الفكرة الإسلامية التي انهزمت قوتها المادية، وكادت أن تزول دولتها أمام الاجتياح المغولي، ولكن بقيت قوة الفكرة الإسلامية، التي كانت سبباً في اعتناق المغول بكليتهم الإسلام، فأقاموا فيما بعد دولاً إسلامية في روسيا والهند دامت لقرون.
والسبب في ذلك الانهيار السريع لقوة المغول هو ضعف الفكرة التي بُنيت دولتهم عليها، فلما حصل التصادم الحضاري بين الأفكار زالت القوة المادية العاتية للمغول بسهولة أمام الفكرة الإسلامية ومن دون استخدام السلاح.
فقوة الفكرة الإسلامية هي التي حفظت الأمّة لأكثر من ألف وأربعمائة عام بالرغم من ضعف الدولة الإسلامية ثم زوالها، وبالرغم من تكالب الأمم الأخرى عليها.
ويكمن السر في القوة الإسلامية كون عقيدتها تتفق مع الفطرة فتملأها طمأنينة، وتنبني على العقل فتملؤه قناعة.
وقوة الفكرة الإسلامية تشمل العقيدة والتشريعات وحمل الدعوة إلى العالم والجهاد في سبيل الله تعالى، وتكاملها هذا هو الذي يجعلها تتحدى جميع المبادئ الأخرى على مدى السنين وتهزمها، فلم تستطع الأديان ولا المذاهب ولا المبادئ البشرية أنْ تصمد أمامها، وعندما تصارعت في العقود الأخيرة بعد هدم الخلافة مع التيارات الفكرية التي روّجها الغرب في بلاد المسلمين، ودعمها من خلال غزو فكري موجه وممنهج، سقطت تلك التيارات في المُواجهة بسهولة أمام قوة الفكرة الإسلامية الدينامية التي فُصلت عن دولتها، فأين هي القومية والبعثية والاشتراكية التي واجهت الإسلام في القرن الماضي؟ لقد تبخرت وتبدّدت وبقي الإسلام.
وفي القرن الماضي جاء مفكر أمريكي اسمه جوزيف ناي فسمّى قوة الفكرة بالقوة الناعمة، أي هي القوة التي تقابل القوة المادية العسكرية وهي القوة الخشنة، وروّجت أمريكا لأفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان وزعمت بأنّها هي قوتهم الناعمة التي يزيد تأثيرها في الشعوب أكثر من تأثير القوة الخشنة، ولكن ثبت لهم بعد سنوات قليلة أنّ قوتهم الناعمة تلك فارغة من المضمون الحضاري، وأنّ القوة الناعمة الإسلامية هي أشد تأثيراً من قوتهم المزعومة بالرغم من حجم الإنفاق الضخم الذي بذلوه على ترويج فكرتهم، بينما تتمدّد القوة الناعمة الإسلامية بهدوء في عقر دارهم، ومن دون وجود دولة لها تدعمها.
ثانياً: القوة الديموغرافية:
وهي القوة السكانية، وتشمل عدد السكان وقدراتهم وإمكاناتهم وحسن إدارتها باعتبارها من أهم موارد الأمم بما تشمل من عقول وكفايات وعدالة في توزيع الثروة، وتبنّى الغرب نظرية المتوالية الهندسية لمالثوس الذي زعم أنّ زيادة السكان يجب تحديدها بما يتناسب مع الموارد الطبيعية، فنتج عن ذلك نقص كبير في عدد السكان في الدول التي تبنت هذه النظرية، وتسبّبت نظريته هذه في بروز ظاهرة الشيخوخة في أوروبا واليابان، بينما الإسلام يحث على التكاثر، وهو ما أدى إلى زيادة أعداد المسلمين، وتحول مجتمعاتهم إلى مجتمعات شبابية منتجة وفعّالة، ولا ينقصها إلا الدولة الراعية ذات القيادة المخلصة.
ثالثاً: القوة الجيوسياسية:
وهي تأثير الجغرافيا والموقع الجغرافي على صنّاع السياسة، وتشمل المساحة ومختلف أنواع التضاريس والبحار والأنهار والممرات المائية والبرية، وكلما زادت مساحة الدولة ومجالاتها الحيوية تفوقت قوتها الجيوسياسية.
ونشهد اليوم صراعاً محموماً بين أمريكا والصين على مشروع الحزام والطريق، فالصين تحاول إنشاء شبكة من الموانئ والطرق السريعة في آسيا وأوروبا لإيصال بضائعها بسلاسة إلى الدول في شتى مناطق العالم، بينما أمريكا تعرقل هذه المشاريع، وتحاول إيقافها من خلال إسقاط الحكام وإشعال فتيل الحروب الأهلية كما هو حاصل في باكستان وميانمار وتايلاند وغيرها.
والدولة الإسلامية القائمة قريبا بإذن الله ستحكم سيطرتها على الممرات والطرق التي تقع تحت سيطرتها كمضيق ملقا بين إندونيسيا وماليزيا الذي تشرف عليه أمريكا، وتقطع من خلاله طرق الصين البحرية بين الشرق والغرب.
رابعاً: القوة العسكرية
يُعلّمنا الله سبحانه أهمية الإعداد والتحضير للقتال كأساس لتكوين القوة الصناعية والعسكرية الضاربة، ومن خلال تلاوة سورة العاديات تتجلّى الأهداف العسكرية بعبارات قصيرة بليغة تشمل السرعة وتوقيت الهجوم واختراق حصون الأعداء وذلك كله مؤطر بالجهاد في سبيل الله، الذي هو الطريقة الوحيدة لكسر الحواجز المادية التي تحول دون نشر الإسلام وتوسيع نطاق الدولة الإسلامية.
خامساً: القوة الاقتصادية
وهي الرافد الطبيعي اللازم وغير المنقطع لخطوط إمداد الجيوش الإسلامية، وما تشمله من قوى لوجستية مختلفة تمكن المسلمين من الانتصار في معاركهم الجهادية.
سادساً: قوة الموارد الطبيعية
وتشمل المواد الأولية والخامات والمياه والنفط وجميع أنواع المعادن التي سخرها الله سبحانه للإنسان، ونقطة ضعف الرأسمالية في إدارتها للموارد تكمن في تحويلها إلى ملكيات خاصة وامتيازات فردية تغني حفنة من المنتفعين ونخباً محدودة، وتبقي الآخرين عمالاً وفقراء يخدمون تلك النخب، بينما في الإسلام الأصل في هذه الثروات أنْ تكون ملكية عامة ينتفع الجميع بها، فينتفي بذلك وجود قلة من الأثرياء يتحكمون في الكثرة من الناس.
سابعا: القوة السياسية
ويُقصد بها الدولة وهي الكيان السياسي، والقيادة السياسية، والوسط السياسي الفاعل بما يشمل من أحزاب سياسية، وهذه القوة هي التي تترجم جميع القوى السابقة إلى واقع محسوس، وتكمن قوة الدولة في الإسلام بقوة التطبيق ورعاية شؤون الناس، وهو إحسان التطبيق لتشعر الجماعة بعدالة النظام، ويسبق ذلك قوة البيعة وهي مشاركة الأمة وقواها الفاعلة في اختيار الخليفة، كما تشمل القوة السياسية أيضاً قوة حمل الدعوة من خلال الجهاد في سبيل الله تعالى وهو رأس سنام الإسلام.
رأيك في الموضوع