(مجلة الوعي العدد الخاص العدد 438-439-440) لقد أهدرت الحضارة الغربية قيمة البشر وحوَّلتهم إلى مجرد آلات تعمل، فإذا شاخت هذه الآلة وكثرت أعطالها فكر بالتخلص منها لأنها صارت عبئاً عليه، وهكذا، وعلى المستوى نفسه، فكر الغرب بطريقة شيطانية للتخلص من أصحاب الشيخوخة بما سمَّوه بـ"القتل الرحيم" والتي أكثر ما تستهدف أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن. ويستند هؤلاء إلى ذرائع منها أن الإنسان حرٌّ في تقرير مصيره، وله حق التصرف في جسده كما يشاء، كما يستندون إلى العامل الاقتصادي، ويرون أن التخلص من بعض المرضى وكبار السن فيه توفيرٌ مادي على المجتمع والدولة، فمن الواجب تخليص المجتمع من الحشائش الضارة!… هذه هي نظرة الحضارة الغربية للإنسان، آلة إذا تعطلت وعجز المجتمع عن إصلاحها فيجب التخلص منه! إن الدعوة إلى الموت الرحيم ما زالت تكسب أنصاراً في هذه البلاد، وهي انتشرت انتشاراً عظيماً في أمريكا ودول الغرب، ووصل الحدُّ ببعض هذه الدول إلى وضع تشريعات قانونية تسمح بهذا القتل، ولا تجرِّم مرتكبيه من الأطباء وغيرهم، مثل هولندا وبلجيكا والبرتغال وكندا، كما وصل الحدُّ ببعض الأطباء إلى اختراع الأجهزة التي تسهِّل الانتحار للراغبين فيه، وأُعدَّت البرامج التلفزيونية لترويجه، ونُشرت الكتب التي تؤيده وتدعو إليه.
فما هو موقف الإسلام من هذه القضية؟
ابتداء إن الحياة والموت هما بيد خالقهما، وعلى المسلم أن يحافظ على حياته ويحرم عليه قتل نفسه ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً...﴾ وعلى المسلم أن يحافظ على حياته ويحرم عليه قتل نفسه ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً﴾، والله سبحانه لم يجعلها ملكاً لأحد، لا لطبيب، ولا لقريب. بل أمر الله بالإحسان إلى الوالدين إذا بلغوا عنده الكبر فقال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ فقوله: ﴿عِنْدَكَ﴾، أي عندك في بيتك وليس في المصحة. وقوله تعالى: ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾ نهي عن التأفف، وقال بعض السلف: لو كان هناك شيء أقل من ﴿أُفٍّ﴾ لحرمه الله. ومن شيخوخة الوالدين مرحلة متأخرة سمَّاها القرآن أَرْذَلُ العُمُر بقوله تعالى: ﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾. وأرذل العمر، كما قال ابن عباس: أردؤه؛ بحيث يصبح المرء كالصبي الصغير، يحتاج إلى غيره في كل الأشياء. وأرذل العُمُر فيه أن ينسى بعد تذكُّر، ويضعف بعد قوة، ويصبح كَلّاً على غيره. والإسلام أمر بإكرام الشيخ، قال رسول الله ﷺ: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ» أخرجه الترمذي، وقال أيضاً: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا» رواه الترمذي، وأحمد في مسنده. وروى البزَّار: أَنَّ رَجُلاً كَانَ فِي الطَّوَافِ حَامِلاً أُمَّهُ يَطُوفُ بِهَا فَسَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ هَلْ أَدَّيْتُ حَقَّهَا؟ قَالَ: «لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ» أو كما قال.
رأيك في الموضوع