أنزل الله عز وجل القرآن العظيم في شهر رمضان المبارك كاملاً من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم أنزله سبحانه حسب الوقائع منجماً على رسولنا ﷺ، قال الله عز وجل: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ فالعلاقة حميمة بين المؤمنين والصيام والقرآن، قال رسول الله ﷺ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» فالقرآن هو هدى للناس من الضلالة وبينات من الهدى، فيه الحلال والحرام والمواعظ والأحكام، وفيه التفريق بين الحق والباطل.
لذلك فإن عملنا تجاه القرآن، لا يتوقف عند حد التلاوة بل لا بد من التدبر بالوقوف على مراميه وما يطلبه منا، ففي القرآن العقيدة والأحكام والتبشير بالجنة ونعيمها والإنذار من النار وجحيمها، وفيه قصص الأمم السابقة للعظة والاعتبار، فهذه الخمسة أمور يجب أن يلتزم بها المسلم كل حسب ما يجب عليه فيها، لذلك بعد التدبر وجب العمل.
الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "كنا نأخذ عشر آيات من رسول الله لا نتجاوزهن فنتعلمهن ونعمل بهن وندعو إليهن". وإن من التعلم إحسان التلاوة والتدبر ومعرفة الأحكام، والمرتبة الثانية هي وجوب العمل بالقرآن، فهو قد أنزل لذلك وليس للتلاوة والصلاة به فحسب. ولا يكتمل العمل بالقرآن إلا بالدعوة إليه، فكل مسلم داعية، قال رسول الله ﷺ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً».
إن هذا القرآن خاطب كل الحياة، ماذا نشرب وماذا نأكل، كيف نتزوج وما هي أحكام الميراث والطلاق، ما هي العلاقات الداخلية وما هي العلاقات الخارجية، كيف يكون القضاء وكيف يكون الحكم، ما هي أحكام الاقتصاد والمال، ما هي أحكام الجهاد والقتال... لذلك كانت الآية فاصلة بينة واضحة.
نعم الله عز وجل أنزل القرآن على رسوله ﷺ ليحكم به وتحكم به أمته من بعده، فالإسلام هو الدين الذي ينظم علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبغيره من الناس. والإسلام هو الاستسلام لله عز وجل بوحدانيته والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله. فأين نحن من العمل بالقرآن بالاحتكام وبالدعوة إليه؟!
في السودان هذه الأيام الصراع محموم بين قادة العسكر وبين القوى الديمقراطية على الحكم، وقد اجتمع كفار الغرب لجمعهم على تسوية سياسية. كان الأصل فيهم وهم أبناء مسلمين ألا يحتكموا إلى هؤلاء الكفار فهم ضد القرآن العظيم. ولكنهم وقعوا على دستور لجنة تسيير المحامين المقترحة، وعلى اتفاق إطاري، والآن أمريكا عبر سفيرها غودفري والأمم المتحدة بقيادة فولكر بيرتس يزمعون على توقيع الفرقاء على الاتفاق السياسي الذي أسموه بالنهائي في الأيام القادمات.
لقد اتفقت الوثائق الثلاث على فصل الدين عن الدولة، وحتى تؤكد الوثائق ذلك نصت على منكرين عظيمين:
الأول: أن السودان بلد متعدد الثقافات والإثنيات والأديان.
والثاني: أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان.
إن وصف السودان بأنه بلد متعدد الثقافات هو كذب لأن 98% من أهله مسلمون. أما تعدد الإثنيات فهو كلام خبيث، فما كان اختلاف الناس في قبائلهم وألوانهم يوما عاملا للتفرقة، إنما هو إمعان في تفريق هذه الأمة.
أما قولهم إن الدولة تقف على مسافة واحدة من سائر الأديان فهو باطل آخر بنوه على الباطل الأول. وذلك أن الدولة تتبرأ من كل الأديان وعلى رأسها الإسلام وهو المقصود.
إن الواجب علينا أن نعمل بالقرآن نطبقه في حياتنا لا أن نقف عند حد تلاوته. وحتى نحتكم للقرآن كاملا لا يمكن أن نعيش في ظل نظام يعاديه. لا بد أن يكون النظام أساسه العقيدة الإسلامية وتشريعه مصدره القرآن والسنة وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي.
وحتى يتم ذلك لا بد أن نعيد الحكم بما أنزل الله من جديد وبعقد جديد مع رجل يبايَع على كتاب الله وسنة رسوله؛ خليفة للمسلمين. إنه السبيل الوحيد الذي نرفع به الإثم من أعناقنا. فإلى القرآن والعمل به ندعوكم أيها المسلمون.
بقلم: الأستاذ عبد الله عبد الرحمن تنديلي - ولاية السودان
رأيك في الموضوع