حمل الدعوة هو من أجلّ الأعمال وأعظمها، وهو فرض على كل مسلم، وبه تقام الدولة الإسلامية وتصان وتحفظ، وهي عمل يقوم به الفرد والحزب والدولة، لذلك كان لزاماً على المسلمين أنْ يجعلوا الدعوة مركزاً تدور حوله مصالحهم، وأن يجعلوها هدفاً دائماً، وغايةً مستدامة تلازمهم طوال حياتهم، فلا يكلوا ولا يملوا ولا يتكاسلوا في تحمل أعبائها وتبعاتها.
أخرج الترمذي والطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنّه قال: «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي، فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»، فالله سبحانه يلقي النضارة والإشراق على وجه المسلم الذي يسمع الوحي من كتاب وسنة فيحفظه ويعيه ويبلغه إلى الناس، فالتبليغ وحمل الإسلام هو ثمرة التلقي والوعي، فلا تبقى المعلومات الشرعية التي يتلقاها المسلم حبيسة بداخله، بل الواجب عليه نقلها ونشرها بين الناس، وهذا هو معنى حمل الدعوة وإيصالها للناس.
ويكمل الرسول ﷺ هذا الحديث الذي خطب به الناس في مسجد الخيف بمنى فيقول: «ثَلاثٌ لَا يُغِلُّ (من الخيانة) - أو يَغِلُّ (من الحقد) - عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، والنَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»، وروى أنس هذا الحديث بصيغة «وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ»، ورواه جابر بصيغة: «وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ»، ورواه أبو سعيد الخدري بصيغة: «وَالْمُنَاصَحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ».
ويؤكد معنى المناصحة الحديث الذي رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة وغيره أنّ الرسول ﷺ قال: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».
فالحديث النبوي الشريف: «ثَلاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» يُحدّد ثلاث صفات يجب أنْ يتصف بها المسلم في مضمار الدعوة، فإنْ وُجدت عنده فهي مدعاة لنفي الخيانة والحقد وكل مشتقاتهما من قلبه، فلا تجتمع هذه الصفات مع الخيانة والغش والحقد.
فالأولى: وهي إخلاص العمل لله شرط للثانية والثالثة.
والثانية: هي محاسبة الحكام بأمرهم ونهيهم ونصيحتهم وكفاحهم إن ضلوا، ويُفهم من ذلك أنّ حمل الدعوة يجب أن يشمل الحكام، بمعنى أن يأخذ الشكل السياسي.
والثالثة: لزوم جماعة المسلمين، وتعني الدولة الإسلامية، فجماعة المسلمين هي المسلمون الذين بايعوا إماماً بيعةً صحيحة، أي هي مؤلفة من ثلاثة أركان: مسلمون وبيعة وإمام.
فلزوم الجماعة بهذا المعنى هو لزوم الدولة الإسلامية (الخلافة)، وهذا اللزوم من أهم فروض الإسلام وأعظمها، هذا إن كانت موجودة، وأمّا إن كانت غير موجودة، فيجب العمل لإيجادها من أجل لزومها وذلك من باب القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
واعتبر الرسول ﷺ في آخر الحديث أنّ دعوة المسلمين حكاماً ومحكومين ومناصحتهم ومحاسبتهم ولزوم جماعتهم ودولتهم تحيط من ورائهم كما يحيط السياج الحامي بهم ليحميهم ويمنعهم.
ويُفهم من هذا الحديث الشريف أنّ حمل الدعوة يجب أن يشمل الحكام كما يشمل المحكومين، فإن اقتصر حملة الدعوة على الناس العاديين فقط فلا تتصف الدعوة عندها بالإحاطة من ورائهم، وكذلك إذا خلت الدعوة من ذكر جماعة المسلمين ودولتهم، ولزومها إن كانت موجودة، والعمل على إيجادها إن كانت غير موجودة، فإن خلت الدعوة من هذه الصفة فلا تتصف أيضا بالإحاطة.
ومن هنا كان من الضروري تذكير جميع العاملين في حقل الدعوة أنّ عملهم يكون ناقصاً إنْ هو خلا من ذكر الدولة ولزومها، أو من ذكر الإمام ومبايعته.
فإن قام البعض بالدعوة من دون التعرض للحكام ومن دون محاسبتهم، فليعلموا أنّ عملهم هذا مخالف للشروط الشرعية، وكذلك إنْ لم يذكروا في دعوتهم لزوم الجماعة، وإبراء البيعة التي في أعناقهم لإمام، فعملهم أيضاً يكون مخالفا للشروط.
وفي هذا الزمان الذي نعيش، وفي ظل غياب الخلافة، فإن الدعوة يجب أنْ تتركّز على العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وذلك بإقامة الخلافة الإسلامية لتطبيق أحكام الشرع تطبيقا كاملا على الناس، وحمل دعوة الإسلام إلى العالم.
رأيك في الموضوع