إن حزب التحرير لم يحدد الطريقة الشرعية لإقامة الخلافة، بل إن الشرع هو الذي حددها، وسيرة رسول الله ﷺ تنطق بذلك منذ بدء الدعوة إلى الإسلام، وحتى إقامة الدولة. وقد سبق إقامة الدولة طلب الرسول ﷺ النصرة من أصحاب القوة والمنعة الذين يشكلون مقومات دولة حسب واقع المنطقة حولهم، ولذلك كان الرسول ﷺ يعمد إلى القبائل القوية فيدعوها إلى الإسلام ويطلب نصرتها كما فعل ﷺ بطلب نصرة ثقيف وبني عامر وبني شيبان والأنصار في المدينة، وأما القبائل الصغيرة فيكتفي ﷺ بدعوتها للإسلام. واستمر ﷺ في هذا الأمر رغم الصعوبات والمشاق التي كان يلاقيها، وتكرار الأمر الذي فيه مشقة يدل شرعاً على أنه فرض كما في الأصول. وهكذا استمر رسول الله ﷺ في طلب النصرة من أهل القوة والمنعة، فقبيلة تدمي قدميه، وقبيلة تصده، وقبيلة تشترط عليه ﷺ، ومع ذلك يستمر الرسول ﷺ ثابتاً على ما أوحى الله إليه دون أن يغير تلك الطريقة إلى طريقة أخرى كأن يأمر أصحابه بقتال أهل مكة، أو قتال بعض القبائل ليقيم الدولة بين ظهرانيهم، وصحابته كانوا أبطالاً لا يخشون إلا الله، ولكنه ﷺ لم يأمرهم بذلك، بل استمر في طلب النصرة من أهل القوة والمنعة حتى يسَّر الله سبحانه الأنصار إليه فبايعوه بيعة العقبة الثانية، بعد أن كان مصعب رضي الله عنه قد نجح في مهمته التي كلفه بها رسول الله ﷺ في المدينة المنورة، فبالإضافة إلى توفيق الله سبحانه له برجال من أهل القوة ينصرونه، فإنه رضي الله عنه قد أدخل بإذن الله الإسلامَ إلى بيوت المدينة وأوجد فيها رأياً عاماً للإسلام، فتعانق الرأيُ العام مع بيعة الأنصار، ومن ثم أقام الرسول ﷺ الدولة في المدينة ببيعةٍ نقية صافية، واستقبال حار لرسول الله ﷺ من أهل المدينة المنورة.
هذه هي الطريقة الشرعية لإقامة الدولة، والأصل أن تُتَّبع، فالأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي، فالمسلم إذا أراد معرفة كيف يصلي فإنه يدرس أدلة الصلاة، وإذا أراد أن يجاهد يدرس أدلة الجهاد، وإذا أراد أن يقيم الدولة، فعليه أن يدرس أدلة قيامها من فعل رسول الله ﷺ، ولم يرد عن رسول الله ﷺ طريقة لإقامة الدولة إلا المبينة في سيرته ﷺ، وفيها دعوة أهل القوة والمنعة الذين يشكلون مقومات دولة حسب واقع المنطقة حولهم، دعوتهم إلى الإسلام وطلب نصرتهم وبيعتهم بالرضا والاختيار بعد أن يكون قد أوجد عندهم وفي منطقتهم رأياً عاماً منبثقاً عن وعي عام.
لذلك فإن الواجب على الأمة الإسلامية وجيوشها وكل أهل القوة والمنعة فيها هو العمل مع حزب التحرير وَفْقَ هذه الطريقة الشرعية لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة لنقتعد مكاننا بين الأمم، ونضع للناس الموازين القسط، ولنصنع الأحداث ونكون نحن الفاعلين والمؤثرين في حياة البشرية، وقبل ذلك لنرضي الله سبحانه وتعالى عنا.
رأيك في الموضوع