لو أن أي أمة من الأمم غير أمة الإسلام تعرضت لما تعرضت له هذه الأمة، لما بقي لها في الواقع ذكر ولا في التاريخ حكاية، فقد تكالبت عليها الأمم من كل حدب وصوب كما تتكالب الأكلة إلى قصعتها، فقطعوا أوصالها وجعلوها أشلاء متناثرة ونهبوا خيراتها وثرواتها واحتلوا أرضها ونكلوا بأبنائها؛ فعلوا ذلك بأنفسهم تارة وبأيدي بعض أبناء الأمة تارة أخرى، وقد رأينا كيف تكالب الروس على أبناء الأمة هناك حتى كادوا أن يقضوا عليهم، وكيف تكالب الهندوس على المسلمين في الهند وكشمير، وتكالب الصرب على أبناء الأمة في ألبانيا والبوسنة والهرسك، ويهود في فلسطين، والأمريكان في أفغانستان والعراق، ورأينا كلاب الأرض كلها تكالبت على الأمة في الشام، كما رأينا كيف تنكل بأبناء الأمة تلك الأنظمة المجرمة المسلطة على رقابها، وبرغم كل ذلك ظلت الأمة صامدة متماسكة تبذل الغالي والنفيس وتجاهد بالمال والنفس والولد باستثناء حفنة قليلة باعت نفسها للشيطان، بل إنها ثارت على تلك الأنظمة وطالبت بإسقاطها، ولن يمضي وقت طويل حتى تدوسها الأمة بالأقدام وتنتصر لنفسها ودينها وعرضها بإذن الله.
ولقد قامت في الأمة ثلة من العاملين المخلصين، هالهم ما أصاب الأمة من مآس ومن تنحية لشرع الله عن الحكم والسياسة، فبذلوا الغالي والنفيس وما زالوا يقدمون التضحيات في سبيل إعادة الأمة لما كانت عليه خير أمة أخرجت للناس، فشمروا عن سواعد الجد لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية التي وعدنا الله سبحانه بها، وبشرنا بها الرسول الكريم ﷺ. ولقد توصلت تلك الثلة إلى الطريقة الشرعية التي تقام بها الخلافة من سيرة المصطفى ﷺ، وترسموا خطاه في العمل لتغيير الواقع البائس الذي تعيشه الأمة، ولإقامة دار الإسلام، وإعادة العزة والكرامة لأمة الإسلام.
أدركت تلك الثلة الواثقة بنصر الله أنها حتى تنجح في تحقيق هدفها بالتمكين لشرع الله في دولة الخلافة الثانية، فإن عليها أن تترسم خطا الرسول ﷺ في إقامة الدولة الأولى في المدينة من تأسيس الكتلة وبنائها بناء متينا قويا بقوة العقيدة الإسلامية، ومن الصراع الفكري والكفاح السياسي ومن ثم أعمال طلب النصرة، فهو ﷺ المثال والقدوة في كل شيء وفي قيادته عليه الصلاة والسلام كتلة الصحابة قبل قيام الدولة وبعدها، فهو ﷺ النبراس للعاملين لإقامة الخلافة من جديد.
فرسولنا الكريم محمد ﷺ أنشأ قيادته على أساس الوحي من الله سبحانه، وهي رسالة الإسلام التي استودعنا إياها من بعده. فدعا لقيادة قومه من قريش والعرب ثم الناس أجمعين على أساس الإسلام وشريعته، حتى أنشأ الدولة والمجتمع الإسلامي معاً، حتى صاروا أمة واحدة من دون الناس، وبهم أخذ يعمل بالدعوة والجهاد على قيادة العالم، حتى صارت القيادة الإسلامية أعظم القيادات أثراً في حياة البشر عبر تاريخ الإنسانيّة.
واليوم ومنذ عقود، وحزب التحرير يدعو المسلمين للعمل معه بما يحمله من فكر إسلامي واضح وأحكام بيّنة مأخوذة باجتهاد صحيح من الإسلام وليس من أيّ شيء غيره. وهو يدعوهم للسير مع قيادته السياسية التي تترسم طريقة الرسول ﷺ في التغيير، وهي تملك مقومات القيادة السياسية الإسلامية المخلصة الواعية ولا نزكيها على الله، وذلك أن غيره ممن يقدم نفسه للأمة باعتباره قائدا ومخلصا، إما هو قيادة سياسية على غير أساس الإسلام، كالأحزاب القومية والوطنية والعلمانية والديمقراطية، أو هي قيادات تحمل اسم القيادة الإسلامية اسما، لكنها للأسف الشديد لا تملك الفهم الصحيح للإسلام ولطريقة التغيير الصحيحة، وظلّت حيناً من الدهر تغطي هذا الخلل والنقص بشعارات غامضة أو شبه غامضة، حتى انكشفت للأمة حين دخلت في اللعبة الديمقراطية واستلمت الحكم، فإذا بها لا تختلف عن غيرها، فلم تر الأمة تغييرا يذكر عن الوضع السابق، سواء في الحكم بغير ما أنزل الله، أو في العلاقة الباطلة مع أعداء الأمة، أو في استمرار مناصبة الإسلام ودعوته العداء والمحاربة.
إن حزب التحرير يدرك أن الإسلام كله هو حياته وسرُّ وجوده، وهو يأخذ بكل الأسباب اللازمة لنجاح عملية التغيير، والنهوض بالأمة من جديد على أساس هدى الله بفكرته النقيّة الصافية التي يدعو الناس إليها، وهو يسير مع أمته وقدامها يقودها إلى عز الدنيا ونعيم الآخرة، بشبابه وشيوخه، برجاله ونسائه، الذين صاروا رجال سياسة ودولة، وحملة فقه وفكر ودعوة، فهم بعون الله سبحانه وبحسن التوكل عليه سوف يمكنون من إقامة دولة الإسلام التي تعيد للأمة كرامتها وعزتها ومكانتها اللائقة بين الشعوب والأمم.
إن حزب التحرير، في قيادته للأمة الإسلامية في هذا الظرف الراهن الذي اختفت فيه القيادات الأخرى، صار هو والغرب الكافر المستعمر وحلفاؤه وعملاؤه، كفرسي رهان، وكم يبذل هذا العدو في سبيل صناعة قيادات سياسية للمسلمين بمؤتمرات لا تنقطع، وبمؤامرات لا تحصى، وبإعلام مشوِّه للحقائق يصّم الآذان ويغشى على الأبصار، وبأموال حرام تنفق، وكم تبذل الحكومات العميلة والدول الكافرة من جهود في إبراز القيادات المصنوعة على عين الكفار، وكل هذا مستمر في بلاد المسلمين جميعاً، حتى لا تقوم للإسلام والمسلمين قائمة، وتبقى حالة الذلة والتبعية التي ترزح الأمة تحت نيرها منذ عقود، وحتى يمنع وصول الإسلام السياسي الصحيح والقائمين عليه كحزب التحرير إلى قيادة الأمة، ولكن الأمة بقيادة حزب التحرير قادرة بإذن الله على خوض كل المعارك الفكرية والسياسية والعسكرية مع الغرب. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾[الأنفال: 36].
ولهذا فإنا ندعو المسلمين وأهل القوة والمنعة فيهم أن ينصروا الله ورسوله والمؤمنين، بالعمل معنا لنرفع جميعاً راية رسول الله ﷺ، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، حتى نقيم معاً الخلافة الراشدة الثانية، التي وعدنا بها المولى سبحانه، وبشرنا بها رسوله محمد ﷺ. قال تعالى: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [المؤمنون: 4-6]
وإننا والأمة لقادرون بحول الله وقوته على الوصول لتلك الغاية العظيمة، وفي هذا فليتنافس المتنافسون.
رأيك في الموضوع