إن يوم الهجرة هو من أيام الفصل في تاريخ الدين الإسلامي. به فصل الله سبحانه بين مرحلتين في الدعوة: مرحلة الاستضعاف والقلة والخوف، ومرحلة آوى فيها الله سبحانه المسلمين بإقامة دولة الإسلام، ونصر المسلمين وفتح أبواب الرزق الطيّب لهم. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
إن هذا اليوم قد عرف قيمتَه ودلالاته ومعانيه سيدُنا عمر t ببصيرته الفذة، فجعل تاريخ المسلمين يسطّر ابتداءً من ذلك اليوم، وهذا من أروع اللفتات منه t حيث قال: "الهجرة فرّقت بين الحق والباطل فأرّخوا بها".
إن يوم الهجرة في زمن الرسول e يعادله اليوم يومُ الاستخلاف والتمكين ونشر هذا الدين الذي ما زال وعده قائماً من الله لعباده المؤمنين إذ يقول سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ إذ إن يوم الاستخلاف سيفرّق الله به بين الحق والباطل ويفصل بين مرحلتين: مرحلة يعيش فيها المسلمون مستضعفين يتخطفهم الناس كما هي حالهم اليوم، ومرحلة يجتمع فيها المسلمون على كلمة سواء تحت راية الإسلام وتجتمع طاقاتهم ويتحولون معها إلى عزّ بعد ذلّ، وظهور بعد هزيمة.
إنه يوم سمّاه الله سبحانه يوم نصر حمى الله فيه رسول الله وصاحبه، وكان معهما بنصره وحفظه ورعايته، وأنزل فيه سكينته وأيّده بجنوده، وكان من نتائجه أن جعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الذين آمنوا هي العليا. قال تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
إن الهجرة تعني الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، وهو ما يحتاج إليه المسلمون اليوم، وهو ما يخافه الغرب وعملاؤه، ويعمل بجهد ومكر وكيد لمنعه. إن المسلمين بحاجة للانتقال من هذا الواقع السيئ، من دار الكفر المفروض عليهم إلى دار الإسلام حيث يأمنون فيه، وتحمى ذمارهم وترتفع أيدي الكفر والظلم عنهم، وعلى المسلمين أن يعملوا بجهد أكبر لإقامة دار الإسلام عن طريق إقامة الخـلافة التي تعتبر الطريق الشرعي لإقامة الدين، وإقامة الحياة الإسلامية، وجعل كلمة الله هي العليا.
إن على المسلمين أن يعملوا، بمختلف مستوياتهم، لمثل هذا اليوم، ولْيطمئنوا إلى أن الله سبحانه مؤيّدهم وناصرهم رغم كيد الكائدين قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾.
إن ذكرى الهجرة التي يتوقف عليها المسلمون جميعاً كذكرى غالية عليهم، هذه الذكرى بابها يمكن أن يفتح لهم من جديد إذا نصروا الله ورسوله ففعلوا تماماً كما فعل الرسول e. وكل من سار على درب الرسول e وصل، بإذن الله العزيز الحكيم.
عن مجلة الوعي العدد 168
رأيك في الموضوع