الصراع بين الدول في حالات السلم إنما يكون بأعمال سياسية قد تكون مصحوبة بأعمال عسكرية. والأعمال السياسية التي تؤخذ محل اعتبار هي الأعمال التي تحصل من الدول الكبرى، فكان لا بد من أن تكون هناك معلومات عن ماهية الدول الكبرى، ومعلومات هامّة عن كل دولة من هذه الدول الكبرى.
والدول الكبرى هي الدول التي لها تأثير في السياسة الدولية، والتي تقوم بأعمال تؤثر على غيرها من الدول الكبرى، وليست الدولة الكبرى هي التي يكثر عدد سكانها، أو تكون غنية، أو ما شاكل ذلك، بل الدولة الكبرى المعنية هي الدولة التي لها وجود يؤثر في السياسة الدولية وعلى الدول الأخرى. والأعمال السياسية التي تقوم بها الدول بعضها ضد بعض في الصراع الدولي وفي الحياة الدولية، إما لنصب فخاخ دولية، وإما لإضعاف الدول الأخرى، وإما مناورات سياسية، وإما غير ذلك.
ومن هنا كان على السياسي أن يجعل نظرته نظرة واسعة، بحيث يتناول كل عمل يحصل من أية دولة كبرى، ومما يجب هنا النظر إليه أن السياسي حين ينظر في الأعمال السياسية يجب أن يبعدها عن التجريد والشمول، وأن يربط كل عمل بالظروف المحيطة به، والملابسات التي تكتنفه، فلا يصح أن يأخذ العمل مجرداً من ظروفه وملابساته، ولا يصح أن يُعمَّم الموضوع تعميماً شاملاً، ولا يصح أن يَقيس على العمل الواحد أي أعمال أخرى، ولا يُرتب الأعمال ترتيباً منطقياً فيَصِل إلى نتائج منطقية، بل يجب أن يتجنب ذلك ويبتعد عنه، فلا يوجد أخطر على الفهم السياسي من المنطق والقياس، لأن الأعمال والحياة متباينة ومختلفة، ولا يُشبه بعضها بعضاً، بل كل عمل له ظروفه وله ملابساته. ولذلك يجب عليه أن يربط العمل بالمعلومات السياسية المتعلقة به، وأن يأخذه وسط ظروفه وملابساته، وحينئذ يفهم فهماً أقرب للصواب.
والأعمال السياسية هي الأعمال التي يقام بها من أجل رعاية شؤون الناس، سواء قام بها أفراد، أو قامت بها أحزاب وتكتلات، أو قامت بها دولة أو دول. والأعمال السياسية موجودة منذ نشأة الجماعات على الأرض، فالقبائل كانت تقوم بأعمال سياسية، والزعماء كانوا يقومون بالأعمال السياسية، وسيظل الناس يقومون بالأعمال السياسية ما دام هناك جماعات ترعى شؤونهم. وعلى ذلك فإن القيام بالأعمال السياسية لا يستوجب مهارة سياسية، ولا حذقاً بفن الحكم بل بإمكان كل فرد وكل جماعة وكل دولة أن تقوم بالأعمال السياسية، إلا أن الأعمال السياسية التي يجب أن تُوجَّه إليها العناية الفائقة من أي شعب يريد التحرر، ومن أية أمة تحمل رسالة للناس، إنما هي الأعمال المتعلقة بالدول الأجنبية، ولا سيما الأعمال المتعلقة بكفاح الدول الاستعمارية، وباتقاء خطر الدول الطامعة. ومن هنا كان لزاماً على الأمة الإسلامية، وهي تريد التحرر، وتحمل الدعوة الإسلامية، أن تعطي الأعمال السياسية المتعلقة بالدول الأجنبية أهمية فائقة، وأفضلية على سائر الأعمال، وأن توضع في رأس القائمة من أولويات الأعمال.
عن كتاب أفكار سياسية لحزب التحرير
رأيك في الموضوع