بما أن شهر رمضان المبارك هو شهر له أجواؤه الإيمانية حيث تزكو فيه النفوس وتقرب من الطاعات، وهو شهر التقوى، وهو شهر القيام، وهو شهر الاستغفار في الأسحار، وهو شهر التراويح، وشهر الاعتكاف، وشهر الدعاء، وفيه ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم هي ليلة القدر التي جعلها الله خيراً من ألف شهر... فمن الطبيعي أن يدفع ذلك الجو الإيماني والدفق الروحي المسلمين الذين صفت روحهم وعمرت نفوسهم إلى الشعور بقوة انتمائهم إلى هذا الدين الحنيف والتسابق إلى فعل الخيرات فيه وترك المنكرات، فقد روى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله e قال يوماً وقد حضر رمضان: «أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، يغْشَاكُمْ اللهُ فِيهِ، فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةُ، وَيَحُطُّ الخَطَايَا، وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ الدُّعاءَ، يَنْظُرُ اللهُ إِلى تَنَافُسِكُمْ فِيهِ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلائِكَتَهُ، فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِي مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةً اللهِ».
ولما كان المسلم مطلوباً منه أن يسيّر أعماله بأوامر الله ونواهيه، ويوجّه حياته بالإسلام فعليه أن يشدّ همته في رمضان، ويعقد عزيمته على أن يصوم ويقوم إيماناً واحتساباً ويقرأ القرآن متدبراً، ويتصدق «وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ» كما قال رسول الله e الذي كان أجود ما يكون في رمضان، ويستغفر ربه تائباً ويدعوه راهباً راغباً... ولكنْ ليعلم المسلم، وهو في هذه الحال من التقوى أن لأمته عليه حقَّ الاهتمام بها، وحق العمل لتغيير هذه الأوضاع الفاسدة. قال رسول الله e: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ». وحق أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر. قال رسول الله e، فيما يرويه عن ربه: «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبَكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيَكُمْ، وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرَكُمْ».
إن المسلم عندما يعيش في رحاب هذا الشهر الكريم، وتأخذه أجواؤه الإيمانية، فإننا نرى أن معاني رمضان يستدعي بعضُها بعضاً وتصبح وكأنها جميعها تصب في جانب واحد يبقى طاغياً على ما عداه. والأمة الإسلامية اليوم تشدها أوضاع واحدة وتشغل بالها وتؤلمها، فلا بد من أن تعتمل هذه الأوضاع في نفوس المسلمين وتدفعهم لأن يوجهوا كل طاعتهم باتجاه ما يحققها عملاً وقولاً. ولا بد من أن تكون موجودة في فكرهم وشعورهم، حين سجودهم، وحين دعائهم، وحين استغفارهم، وحين أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وحين تذاكرهم بمعاني القرآن الذي يقرأونه.
لا بد من لفت النظر إلى أن المسلمين في هذه الأجواء الطيبة، عليهم أن لا يكثروا الكلام في الوضع السيئ الذي يعيشون فيه، بل بالعلاج لهذا الوضع السيئ، وعليهم أن يتذكروا في مثل هذه الأجواء الإيمانية أن أحب عمل يقرب إلى الله هو العمل لإظهار دينه وإعلاء كلمته، ولا يكون ذلك إلا بإقامة الخلافة الراشدة التي تكون على منهاج النبوة التي أظل زمانها كما يدل ويشير الواقع، وهنيئاً لمن بنى في صرحها حجراً.
رأيك في الموضوع