يحتفل العالم في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وليس هناك جديد في احتفال هذا العام عن الأعوام السابقة، إلا الإحصائيات التي تتحدث عن ارتفاع معدلات العنف الذي تتعرض له النساء حول العالم، فحسب الإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة لهذا العام، فإن أكثر من 70% من النساء يعانين من العنف في حياتهن، أي أن واحدة من كل ثلاث نساء في العالم يتعرضن لنوع من أنواع العنف (جسدي، جنسي، نفسي)، وأن امرأة من اثنتين مقتولتين، ماتت على يد قريب. هذا عدا عن المشاكل الأخرى التي تعاني منها النساء كالأمية والفقر والتمييز وانعدام الأمن والمعاناة في ظل الصراعات والحروب التي تشعلها الدول الاستعمارية وغيرها من المشاكل التي لو أردنا الحديث عنها لما وسعنا المقام.
وليس هناك جديد هذا العام إلا مزيد من الاعتراف من قبل الساسة والمنظمات بالفشل في القضاء على العنف ضد المرأة وتأمين الحياة الكريمة لها، ومن ذلك تصريحات الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيديركا موغريني بمناسبة "اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة" حيث قالت: "في كل مرة نحيي اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، نعترف بفشل مجتمعاتنا. إن النساء والفتيات مستهدفات في المنزل، وفي المجموعات التي ينتمين إليها، أو في مكان العمل، في جميع أنحاء العالم. ولا يعتبر اتحادنا الأوروبي استثناء، بل على العكس، إذ نحن نشهد اتجاها مقلقا يتعارض مع الإنجازات التي كنا نعتبرها محتومة الحدوث".
عشرات السنوات وهم ينادون بتحرير المرأة ومساواتها مع الرجل، ويدعون سعيهم للقضاء على العنف ضدها وتوفير حياة كريمة لها، ولكنهم حتى الآن لم ينجحوا في ذلك، حتى إنهم لم يسنوا أي قانون رادع في هذا المجال، وكل ما فعلوه خلال هذه السنوات هو نشر الثقافة الرأسمالية، ومحاولة فرض نظرتهم الخاطئة للمرأة ولمشاكلها على دول العالم، ساعين لتعميم المشاكل التي تعانيها المرأة عندهم على باقي المناطق، ولا سيما بلاد المسلمين، محاولين إشاعة الفساد والفجور فيها، وإظهار الإسلام بأنه ظالم للمرأة، متخذين من التضليل وشيطنة الأفكار الإسلامية كالزواج المبكر سبيلاً لذلك. مستخدمين في ذلك أدوات مختلفة كالإعلام ومناهج التعليم والقوانين التي تسنها الأنظمة في بلاد المسلمين، وكذلك عن طريق الجمعيات والمؤسسات وغير ذلك من الوسائل.
باختصار كل ما فعلوه هو أنهم أوجدوا مشكلة للمرأة ووضعوا لها حلولاً خاطئة، ومن ثم حاكموا معتقدات الآخرين بناء عليها!
لقد استغلت الرأسمالية المرأة وامتهنت إنسانيتها وكرامتها، تماما كما كانت أوروبا في العصور الوسطى، والتي ادعت أنها جاءت لتحررها من عصور الجهل والتخلف التي كانت تحياها فيها، ولكنهم هذه المرة فعلوا ذلك بحجة واهية وشعارات مضللة هي تحررها ومساواتها بالرجل؛ ففي العصور الوسطى كانوا ينظرون للمرأة على أنها سلعة مملوكة للرجل، له أن يتصرف بها كيف شاء، يملكها أبوها ثم زوجها ثم بنوها، يتصرف بها كل واحد منهم كما يتصرف بحيوانه أو متاعه أو تجارته!
والرأسمالية اليوم تعتبر المرأة جزءاً مادياً نفعياً في حضارتها، لا يُنظر إليها إلا كسلعة تجارية، أو موضعٍ لإشباع شهوة، فحولت المرأة إلى سلعة تُعرض في المنتديات والملاهي والمقاهي وحتى المحلات التجارية، وأصبحت المرأة عندهم تقيَّم بمقدار إرضائها للزبائن وقدرتها على إغرائهم، حتى إنهم باتوا يشترطون حسن المظهر والجمال في أية وظيفة شاغرة للمرأة متجاهلين أن للمرأة قيمة إنسانية بغض النظر عن مظهرها، كما أنهم نظروا إليها نظرة اقتصادية جشعة وأوهموها أنه يجب عليها أن تجاري الرجل وتساويه في كل شيء، وأن عليها أن تعمل لتنعتق من سلطته مادياً ومعنوياً، فأرهقوها وحملوها ما لا تطيق، فلم تعد قادرة على التوفيق بين بيتها وعملها.
وقد نتج عن هذه النظرة السقيمة للمرأة الكثير من المشاكل في المجتمعات الغربية، حيث انتشر الفحش والفجور وغابت العفة والطهارة عن المجتمع، وأصبحت الإحصائيات تتحدث عن عشرات حالات الاغتصاب والزنا والخيانة الزوجية في الدقيقة الواحدة، وظهر التفكك الأسري، وارتفعت معدلات العنف الذي تتعرض له النساء وغيرها من المشاكل...
فما دامت الرأسمالية قد فشلت في تحقيق السعادة لأهلها، فكيف تحققها لغيرهم؟! وكيف لنا نحن المسلمين أن نبحث عن حلول لمشاكلنا في نظام وضعي، وعندنا نظام رباني من لدن خبير عليم؟!
إن في الإسلام علاجاً لكل المشاكل، وأحكامه كفيلة بتحقيق السعادة والحياة الكريمة للإنسان رجلاً كان أم امرأة، وقد ضمن الإسلام حفظ كرامة المرأة وإعزازها من خلال التشريع، فجعل أساس النظرة إلى المرأة على أنها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان، وكفل لها العيش الكريم زوجةً وأماً وبنتاً وأختاً، وجعل الحفاظ عليها والدفاع عنها من أشرف الأعمال «مَنْ قُتِلَ دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»، وجعلها شقيقة الرجل وساوى بينهما في التكاليف الشرعية، على خلاف المبادئ الوضعية التي امتهنت المرأة وجعلتها سلعة تباع وتشترى وتورث كما المتاع. قال e: «مَا أَكْرَمَهُنَّ إِلاَّ كَرِيمٌ وَمَا أَهَانَهُنَّ إِلاَّ لَئِيمٌ». وفوق ذلك حصر الإسلام علاقة الذكورة والأنوثة بين الرجل والمرأة في الزواج فقط، وحرم كل علاقة غيرها، بل حرم كل ما يتعلق بهذه الصلة بينهما؛ فحرم الخلوة وحرم النظر إلى غير الزوجة بشهوة، وحرم النظر إلى العورات وأمر بغض البصر وأمر بالستر، وجعل الأصل فصل الرجال عن النساء في مجتمع المسلمين.
وضمنه أيضاً من خلال التنفيذ من قبل دولة تطبق هذه الأحكام في واقع الحياة، وتعاقب كل من يخالفها، وتاريخ المسلمين شاهد على ذلك.
إن معاناة المرأة وشقاءها، بل معاناة الإنسانية جمعاء، لن تنتهي إلا بالتخلص من النظام الرأسمالي، وتطبيق أحكام الإسلام بدلاً منه في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي نسأل الله أن يكون قيامها قريباً.
رأيك في الموضوع