قال سبحانه وتعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾
وقال سبحانه: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾
فالله سبحانه قد طلب في هذه الآيات - وكثير غيرها - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقرن الطلب بما يدل على الجزم، ألا وهو الثناء على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بقوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾، وقوله: ﴿وأولئك هم المفلحون﴾.
وفيما روى الترمذي عن حذيفة قال: قال رسول الله r: «والذي نفسي بيده لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم».
وروى البيهقي والطبراني، وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون؛ ثم يكون من بعد خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون: فمن أنكر عليهم فقد برئ، ولكن من رضي وتابع!»
وفي مسند أبي يعلى بلفظ: «سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون؛ وسيكون بعدي (وفي لفظ البيهقي: بعدهم، وهو الأصح) خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون بما لا يؤمرون: فمن أنكر عليهم برئ، ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضي وتابع»، ومثله عند الطبراني بلفظ «أمراء» بدلاً من «خلفاء»، والمعنى واحد.
وما أخرج الإمام الترمذي بإسناد صحيح عن كعب بن عجرة قال خرج إلينا رسول الله r ونحن تسعة، فقال: «اسمعوا! هل سمعتم؟! إنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد عليَّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وارد عليَّ الحوض».
بهذه الأدلة وغيرها مما استفاض في مصادر التشريع يتبين فرضية محاسبة الحكام على أعمالهم وعلى تصرفاتهم، والأمر جاء جازما بالتغيير عليهم، إذا هضموا الحقوق أو قصروا بالواجبات نحو الرعية أو أهملوا شأنا من شؤونها، وعلى وجه الخصوص إن هم خالفوا أحكام الإسلام، أو حكموا بغير ما أنزل الله، وهذا كله بيّن جليّ في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وفي واقع حياة المسلمين على مر العصور.
والأحاديث الشريفة التي حث فيها رسول الله r على الإنكار على الحكام خاصة فيما قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع». فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإنكار على الحكام، وأوجب هذا الإنكار بأي أسلوب من أساليب التعنيف والتبكيت، والحدة في القول والإغلاظ فيه.
واعتبار من لم ينكر على الحكام شريكا لهم في الإثم، وجعلُ المسلمين الذين لا يحاسبون الحكام شركاء لهم في الإثم قرينة على وجوب محاسبة الحكام والتشديد عليهم وعدم التفريط بها.
أما الشواهد في واقع حياة المسلمين في مختلف عصورهم فكثيرة لا تكاد تحصى.
فقد ثبت أن المسلمين قد اعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوصفه رئيسا للدولة لا بوصفه رسولا في مواطن كثيرة: ففي الخندق رفض سعد بن معاذ وسعد بن عبادة موافقة الرسول عليه الصلاة والسلام على إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة، وقال له سعد بن معاذ، "والله لا نعطيهم إلا السيف" فقال عليه الصلاة والسلام «أنت وذاك» وعمل برأيهما.
وفي الحديبية اعترض عمر رضي الله عنه وكثير من المسلمين على رسول الله r على موافقته على الصلح، وقال "علام نعطي الدنية في ديننا؟"
كما حاسب علماء المسلمين وعامتهم الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس.
فهذا عمر يمنع أبا بكر من بيع الثياب حتى يتفرغ لرعاية شؤون الناس.
وبلال يحاسب عمر على أرض السواد حتى يقول عمر "اللهم اكفني بلالا وصحبه".
وتأتي الوفود من الأمصار لمحاسبة عثمان رضي الله عنه.
ويحاسب العبادلة الأربعة معاوية حسابا شديدا على أخذه البيعة ليزيد في حياته.
ويحاسب سفيان الثوري المنصور بقوله "اتق الله فقد ملأت الأرض ظلما وجورا فيطأطىء المنصور رأسه.
ويحاسب أحمد بن حنبل المأمون على قوله بخلق القرآن.
وغيره الكثير مما جاء في السير وَمِمَّا جمع بعضه العالم الجليل عبد العزيز البدري رحمه الله في كتابه الإسلام بين العلماء والحكام.
لقد كان لهذه المحاسبة أثر كبير في حياة المسلمين على مر العصور رغم استبداد بعض الخلفاء وتسلط آخرين، وهنا كانت تبرز المحاسبة على أحسن صورها عند الحاجة لها.
وكم نحن اليوم بحاجة إلى محاسبة حكامنا الذين يحكمون بغير ما أنزل الله والوقوف في وجههم لمنعهم من التآمر على المسلمين، والتصدي لظلمهم والأخذ على أيديهم مهما كلفنا ذلك من تضحيات في سبيل الله.
وفيما روي عَنْ عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: (إنا بايعنا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله: لا تأخذنا فيه لومة لائم، ... » الخ الحديث، كما أخرجه الشيخان، وأحمد، وغيرهم، عن عبادة، في بعضها زيادات أهمها زيادة «الكفر البواح»: «... وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان».
وعن أبي ذر رضي الله عنه: أوصاني خليلي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بخصال من الخير: «أوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق، وإن كان مراً».
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه، ولا يغيرون، إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا».
ونذكر هنا حديث رسول الله r: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله».
ففيها دلالة على أهمية محاسبة الحاكم وفضلها حتى إن لزم الأمر ضحى المسلم بنفسه في سبيل الله لرفع الظلم وإحقاق الحق.
إلى هذا الخير يدعوكم حزب التحرير للعمل معنا في طاعة الله ورضوانه، لا نخشى في الله لومة لائم، فإنا إن لم نفعل عمَّ الشر وطغى الفساد في الأرض وذهب الخير بين الناس وبؤنا بغضب الله.
بقلم: يوسف سلامة
رأيك في الموضوع