نزل الوحي على محمّد ﷺ حاملا رسالة خاطبت القلوب والعقول، قلوب وعقول من أسلم وصدّق بها والتفّ حول صاحبها ينهل منه الخير في أوّل كتلة مؤمنة تمركزت في دار الأرقم بن أبي الأرقم فكانت هناك الشخصيات الإسلاميّة الفذّة التي خلصت لله الواحد الأحد.
وبعد ثلاث سنين من الاستخفاء، أُذِن لهذه الكتلة من فوق سبع سماوات أن ترى النور وتخرج لتصطدم بقوى الكفر في قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾.
فلاقى رسول الله ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم كلّ أنواع الأذى في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله. فتعرضوا للتعذيب والتهجير والمقاطعة حتى كان نصر الله وكانت الهجرة وإقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، وهناك صار للمسلمين كيان يحمي بيضتهم ويذود عنهم.
وعاش المسلمون في كنف الإسلام ودولته الحامية حتى يوم هدمها على أيدي خونة العرب والترك وعلى رأسهم الخائن الكافر مصطفى كمال وكانت المصيبة حيث تقطّعت أوصال المسلمين وحالت بينهم حدود سايكس بيكو ففرقتهم وزرعت النعرات بينهم وحكمهم عملاء طواغيت لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمّة، فأفقروهم وفرّطوا في ثرواتهم!
وما فتئ أن بزغ نور من بيت المقدس، نور أعاد إحياء كلمة الخلافة في عقول سربلها الجهل والضلال وفي قلوب تتوق لفجر الإسلام وعدله ودولته.
ذلك النور كان انطلاقة حزب التحرير، الرائد الذي لا يكذب أهله، مع الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله. أسّس الحزب بخطا ثابتة وتكبّد مشاق الدعوة إلى دولة الحق غير آبه بالمغرضين والحاقدين أعداء الدين حتى لقي ربّه في 11/12/1977 رحمه الله وجزاه عن الأمّة الإسلامية خير الجزاء.
ثمّ خلفه الشيخ عبد القديم زلوم رحمه الله وسار على خطاه وأوذي في سبيل حمل الدعوة الإسلامية حتى أقعده المرض ثمّ وافته المنية رحمه الله وأسكنه فراديس الجنان.
وفي 11 صفر الخير سنة 1424هـ الموافق لـ13/04/2003 استلم أمير حزب التحرير الحالي العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله إمارة الحزب، فكان خير خلف لخير سلف وواصل السير بالحزب وشبابه على خطا كتلة الأمس كتلة محمد ﷺ وكل العالم صار بيت الأرقم بن أبي الأرقم يضجّ بثقافة حزب التحرير هذا الحزب التقي النقي الذي أقضّ مضاجع الكافر المستعمر وأذنابه من بني جلدتنا فكادوا لشبابنا واعتقلوهم واختطفوهم وعذّبوهم وشرّدوهم لا لشيء إلا للحيلولة دون قيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
الشيء نفسه الذي فعله كفار قريش ومن والاهم مع كتلة الأمس فلم يتركوا لونا من ألوان التعذيب إلا وساموه أتباع محمد ﷺ لأنهم أدركوا أن كلمة لا إله إلا الله التي دعاهم لها رسول الله ﷺ ليست مجرد كلمة تقال بل هي تغيير جذري ومنهج حياة جديد سيقلب موازين الدنيا بأسرها فقابلوها بالطغيان والجبروت الذي تقابل به دعوة كتلة اليوم، دعوة حزب التحرير في مشارق الأرض ومغاربها.
وما دمنا على خطا رسول الله ﷺ ونهجه الحق فإنّا على يقين أن من نصر كتلة الأمس سينصر كتلة اليوم سبحانه جلّ جلاله، مصدّقين بوعده في قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ...﴾ [سورة النور: 55] وببشرى رسوله ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
لكل من يكيد لهذه الدعوة ولحزب التحرير من عرب أو عجم نقول لهم كما قال رسول الله ﷺ: «يَا عَمِّ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ».
ونحن في حزب التحرير، في كتلة اليوم نسير على خطا كتلة الأمس وقائدها محمد ﷺ ولن نترك حمل الدعوة لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة حتى يظهره الله أو نهلك دونه.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾
بقلم: الأستاذة إبتهال بن الحاج علي – ولاية تونس
رأيك في الموضوع