نفيد بوت هو أبٌ لأربعة أطفال، اختُطف في لاهور بباكستان أثناء عودته إلى منزله بعد أن أقلّ أطفاله الصغار من المدرسة، على يد موظفي الأمن الحكوميين، وشهد على ذلك عائلته وجيرانه، ويمر اليوم أحد عشر عاماً على اختفائه منذ 11 من أيار/مايو 2012م.
على مر السنين، كافحت زوجة نفيد من أجل الإفراج عنه، وتقدمت بطلبات متعددة إلى محاكم مختلفة في باكستان.
في 4 كانون الثاني/يناير 2018م أصدرت لجنة التحقيق الباكستانية المختصة في حالات الاختفاء القسري أمر إحضار لنفيد بوت، رقمه المرجعي (No. 860-P)، وينصّ على أنّه "بناء على الأدلة التي تم جمعها أثناء دراسة هذه القضية، تشتبه اللجنة في أنّ الشخص المفقود نفيد بوت، قد تم القبض عليه من موظفي المؤسسة السرية (هـ)، وهو محتجز عندهم بشكل غير قانوني"، وينصّ الأمر على أنّه "يسرّ اللجنة توجيهها بأنّ نفيد بوت سيُعرض أمام اللجنة في غضون خمسة أسابيع، وإلا فإنه سيتمّ الشروع في اتخاذ إجراءات قانونية".
لا زال نفيد مختطفاً عند السلطات الباكستانية، رغم أنّها تنكر ذلك، وتنكر حتى معرفتها بمكان وجوده!
نفيد بوت مهندس كهربائي، تخرّج من جامعة إلينوي في أمريكا، وعاد إلى باكستان بعد أن عمل في شيكاغو لمدة قصيرة، وهو معروف بين أصحاب النفوذ في باكستان، حيث قابل العديد منهم شخصياً، وهم حتى يومنا هذا يسألون عنه قلقاً وخوفاً عليه من الطغاة.
كان نفيد بوت الناطقَ الرسمي لحزب التحرير في ولاية باكستان عندما كان حرّاً، وكان سافراً متحدّيّا للظلم والعبودية للإملاءات الأمريكية، وكشف فساد المسؤولين الباكستانيين، وكان يدعو إلى إيجاد نظام إسلامي في باكستان. قاد نفيد في باكستان احتجاجات ضد دعم الرئيس السابق برويز مشرف لحرب رئيس أمريكا جورج بوش على (الإرهاب) عام 2001م، وفي عام 2004م شنّ حملة إعلامية ضد خطة مشرف لإرسال قوات لدعم الغزو الأمريكي في العراق، وفي عام 2008م تعاظم الوعي العام على تفاصيل نظام الخلافة، وفرصة إقامتها في باكستان، وفي عام 2011م قاد حملة تندّد بتسهيل حكام باكستان للهجوم الأمريكي على أبوت آباد.
أيّها المسلمون في باكستان، والصحفيّون والمحامون ونشطاء حقوق الإنسان على وجه الخصوص!
قال رسول الله ﷺ: «إنَّ النَّاسَ إِذَا رَأوُا الظَّالِمَ فَلمْ يَأْخُذُوا عَلى يَدَيْهِ أوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ» (أبو داود والترمذي). إن اختطاف نفيد بوت ظلم عظيم لا يجوز استمراره أو السكوت عنه، وهو جريمة تعاني بسببها عائلته، فقد صرّحت زوجته وهي محامية قديرة "إنّ زوجي نفيد شخص دمث الخُلق رقيق القلب، وهو محبوب في عائلته كلها، شقيقاته وشقيقه مفزوعون من غيابه الطويل. لدينا ثلاثة أبناء وبنت واحدة، وكان ابننا الأصغر يبلغ من العمر عامين فقط عند اختطاف والده، واليوم عندما يسأل عن والده أخبره بأنه معتقل لارتكابه (جريمة) الدعوة إلى الإسلام، والله وحده الكفيل بالإفراج عنه، كما أن ابنتي تفتقد والدها أكثر من أي وقت مضى وتدعو له ليلاً نهاراً من أجل إطلاق سراحه".
ننقل لكم ما قالته مريم ابنة نفيد بعد أربع سنوات من اختفائه، وكانت في العاشرة من عمرها: "أريد فقط أن يعود والدي إلى المنزل، جميع الأولاد يحبون آباءهم، قد يوبّخهم آباؤهم أو أمهاتهم أحياناً، لكنّهم يحبونهم رغم ذلك. اعتدت انتظار والدي بفارغ الصبر كي يعود من عمله، لأركض إليه وأجلس في حجره عند عودته، لقد مرت أربع سنوات لكنه لم يعد، وكلما شاهدت والد أي طفل يتودد لأطفاله أفتقد والدي أكثر".
أيّها المسلمون في باكستان والصحفيّون والمحامون ونشطاء حقوق الإنسان على وجه الخصوص!
بسبب نشاط نفيد بوت ومقارعته علناً للظلم في البلاد، كان دائماً يعيش تحت تهديد الدولة وفي خطر داهم، وتم القبض عليه مرات عديدة، وقد تلقى في الأسابيع الأخيرة التي سبقت اختفاءه تهديدات هاتفية من أرقام مجهولة. لقد تحدّث نفيد نيابة عنّا وعن ديننا، إلا أنّه عوقِب جزاء ذلك!
لقد تم اختطاف نفيد من قبل قوات أمن الدولة المشبوهة ووضعوه في شاحنة، وقد شاهد ذلك ثلاثة من أطفاله، الذين كانت تبلغ أعمارهم العاشرة والتاسعة والسادسة حينئذٍ، وأصغر أبنائه كان يبلغ من العمر عامين فقط.
إن نفيد احتجزته قوات الأمن لكنها ترفض الإقرار بوجوده عندها أو الإفصاح عن مكانه، لذلك فإنّ حالة نفيد الصحية والجسدية والعقلية غير معروفة، ولم تسمع عائلته عنه شيئاً منذ أحد عشر عاماً، ولم يبلغها أي تأكيد رسمي عن حالته. لكن من خلال قنوات غير رسمية، تم إبلاغ الأسرة بأنّ نفيد قد تعرض لاستجوابات قاسية، واشتكى أحد المسؤولين من أنّ نفيد لم يتراجع عن موقفه القوي رغم تعرضه للتعذيب الشديد.
إنّ الاختفاء القسري هو إرث من المستعمر البريطاني، وهو أحد أعمدة الاستعمار الأمريكي الحالي، وقد انتشرت ممارسته على نطاق واسع في الأيام الأولى للحرب على (الإرهاب)، فاختفى رجال كثر ونساء سُلِّموا إلى دول أجنبية، ولم تكن باكستان بعيدة عن هذه الممارسات، وفي آذار/مارس 2022م، كشفت لجنة الاختفاء القسري عن فقدان 76 شخصاً في ذلك الشهر وحده.
إن الاختفاء القسري هو "اختطاف شخص أو سجنه سرّاً على يد دولة أو منظمة سياسية، أو طرف ثالث بتفويض أو دعم أو قبول من دولة أو منظمة سياسية، يليه رفض الاعتراف بمصير الشخص ومكان وجوده، بقصد إخراج الضحية من حماية القانون". قامت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في باكستان بتسجيل حالات الاختفاء القسري على مر السنين، وحتى كانون الأول/ديسمبر 2021م، سجلّت أكثر من 2800 حالة اختفاء، 1357 حالة منها لا يزالون في عداد المفقودين، ومن بين هؤلاء نفيد بوت.
وقد أدانت منظمة العفو الدولية استخدام الاختفاء القسري ودعت السلطات الباكستانية إلى إنهاء هذه السياسة القمعية. بينما رفضت الحكومة الامتثال لأمر الإحضار أو الإفراج عن نفيد، وقد رفعت الأسرة قضيته إلى المحكمة العليا في إسلام أباد، والتي تقوم حالياً بمراجعة القضية.
أيها المسلمون في باكستان والصحفيّون والمحامون ونشطاء حقوق الإنسان على وجه الخصوص!
قالت زوجة نفيد بوت: "إنّ قول كلمة الحق هي جريمة زوجي الوحيدة، لهذا أطالب أهل السلطة والحكام بالإفراج عنه فوراً، لقد قضى بالفعل سنوات في سجن غير قانوني، لقد ركضنا من ركن إلى آخر بحثاً عن العدالة، من المحكمة العليا في إسلام أباد إلى المحكمة العليا الباكستانية إلى محكمة لاهور العليا. لقد تمّ النظر في قضيتنا حتى من لجنة الاختفاء القسري، ولكن على الرغم من الأوامر المتكررة من المحاكم، فإنه لم يتم عرض نفيد بوت أمام المحكمة"، وصرّحت أيضاً: "أناشد الحكومة الباكستانية والجيش ووكالات الدولة للإفراج عن زوجي، لأنّه لو كان قول كلمة الحق جريمة لكان عوقب بما يكفي، وقد عانيت أنا وأولادي من غيابه الطويل، فأطلقوا سراحه الآن لأنّ بقاءه في الخطف يتعارض مع جميع معايير الإنسانية والعدالة".
واجب علينا التحدث ضد هذه الجريمة، في كل منتدى متاح لنا، مطالِبين بالإفراج الفوري عن نفيد. فليطالب المسلمون، ولا سيما أصحاب السلطة والنفوذ، بإنهاء معاناة نفيد بوت وأهله، طمعاً في رضا الله سبحانه وتعالى، فقد قال رسول الله ﷺ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً من كُرَبِ اَلدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ» رواه مسلم.
بقلم: الأستاذ مصعب عمير – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع