يعرف الدستور بأنه القانون الأساسي للدولة، والذي يحدد نظام الحكم، وشكله، وأجهزته، كما يحدد الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم، لذلك كان لا بد للمسلمين، خاصة بعد هدم الخلافة، أن يوجدوا دستورا يعيد الحياة الإسلامية إلى الأمة، بعد أن تغير نظام الحكم فيها من نظام الخلافة إلى النظام الرأسمالي بأشكاله؛ ملكي، أو ديمقراطي، أو عسكري، حيث يلاحظ أن الكافر المستعمر يحرص على إشغال الأمة بدساتير فاسدة، لكل بلد من بلاد المسلمين، يركز من خلالها، ويكرس بقاء النظام الرأسمالي وأحكامه وأنظمته، حتى يضمن بقاء الأمة بعيدة عن نظام الإسلام وأحكامه في حياة إسلامية كريمة، وهذا بالتحديد ما يجري في السودان الآن قبل وعقب الإطاحة بنظام الإنقاذ البائد.
وما يهمنا الآن هو الأخذ والرد، بل التشاكس والتناطح بين الأطراف المتصارعة، من عسكر ومدنيين، حيث جاؤوا بالوثيقة الدستورية في العام 2019م، التي لم تقو على البقاء، فكفر بها أصحابها، فانقلب البرهان على منافسيه المدنيين وأعلن عما سماه بالإصلاح، وعدل في وثيقتهم تلك، ثم أعاد عبدَ الله حمدوك مرة أخرى وعينه رئيساً للوزراء، ثم انفضت الشراكة بينهما مرة أخرى في كانون الثاني/يناير 2022م، فانفرد البرهان بالسلطة، متحكما في مفاصل الثروة كذلك، هو ورجاله من العسكر، وهو يحاول منذ انقلابه أن يعيد حمدوك والأخير يرفض التسوية.
ولما كان الدستور هو أحد الأسلحة في الصراع بين العسكر والمدنيين، فقد اتخذه حمدوك عصا غليظة ليغير بها من هيكلة الجيش، وللسيطرة على القرار السياسي فينفرد بالحكم لصالح أسياده الإنجليز، ويقصى العسكر الموالين لأمريكا، فأدت خطواته تلك إلى الانقلاب عليه.
وعقب انقلاب البرهان الأخير، تطورت الأمور فقدمت لجان المقاومة ما يعرف بـ(ميثاق تأسيس سلطة الشعب) في كانون الثاني/يناير، تعديل آذار/مارس 2022م، فلم يجد أذنا صاغية.
ثم قامت نقابة تسييرية المحامين، ومن ورائهم قوى الحرية والتغيير بطرح وثيقة الدستور الانتقالي لسنة 2022م من 77 مادة، أبرز ما فيها أنهم حددوا السودان دولة ديمقراطية فيدرالية وأنها دولة مدنية تقف على مسافة واحدة من كل الأديان و(كريم) المعتقدات، أشاد به سفراء الدول الاستعمارية وبخاصة أمريكا وبريطانيا.
ثم قام أتباع البرهان باسم نداء أهل السودان وطرحوا مشروع دستور السودان الانتقالي للعام 2022 من 108 مادة، حددوا فيه طبيعة الدولة بأنها جمهورية لا مركزية الحكم، وقالوا في باب مصادر التشريع إن الشريعة الإسلامية وقيم وأعراف الشعب السوداني وتقاليده الكريمة مصدر للتشريع.
فكلا الدستورين يتفقان على فيدرالية الدولة مقرونا بالتأكيد على اتفاقية جوبا للسلام التي تنص على جعل قضايا الناس جهوية عبر مساراتها الخمسة مع تقسيم أهل البلد على أنهم شعوب متعددة الأعراق والثقافات (رغم أن 98% منهم مسلمون)، جعلوا لكل إقليم مساراً منفصلاً عن الآخر، لا باعتبار إنسانيتهم، ولا أنهم أهل بلد واحد، تمهيدا للفيدرالية التي تؤدي حتما للانفصال عن بعض، كما حصل في حكومة الإنقاذ التي فصلت جنوب السودان.
يقر الدستوران بإقامة انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية لإيجاد رئيس يكون فرعوناً جديداً له صلاحية التشريع ومجلس تشريعي، بصلاحيات رب العزة التي اختص بها ذاته العلية، حيث قال جل من قائل: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وذلك لإرضاء سادتهم سفراء أمريكا وبريطانيا ومن لف لفهم.
كما تؤكد هاتان المسودتان على الانصياع الكامل لصندوق النقد والبنك الدوليين؛ أداتي الاستعمار، للهيمنة على ثروات السودان والسيطرة على أنظمة الاقتصاد، ومن ثم تبعيتها السياسية، في موقف لا يقدم عليه إلا خائن عميل بعدما تكشفت للناس نتيجة تطبيق إملاءات الصندوق والبنك الدوليين.
وخلاصة القول، إن الدساتير المقدمة لمعالجة قضايا السودان هي في حقيقتها لتحقيق أهداف المستعمر وخططه المرسومة للسودان، وهي كما يلي:
أولاً: يصارع كل فريق (المدنيون والعسكر)، ويسعى من خلال الدستور، لتثبيت نفوذ أسياده، وتمكينهم من استعمار السودان، والهيمنة على ثرواته لصالح الشركات العابرة للقارات.
ثانياً: يحرص كل فريق على تبني النظام الرأسمالي الديمقراطي، ولا يخرج من الخط المرسوم لمحاربة الإسلام وأحكامه وتشريعاته في كافة مناحي الحياة.
ثالثاً: يحرص كل فريق أن يؤكد لسيده حرصه على السير في مخطط تفتيت السودان إلى دويلات فيدرالية تسهل السيطرة عليها وتسخير أهلها خدماً فيما بعد لصالح شركات النهب الرأسمالية الكبرى.
وختاماً أقول، يا أهل السودان، إن مشروع دستور الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، مشروع الدولة الإسلامية، الذي يقدمه حزب التحرير، لهو البلسم الشافي لجراحات الأمة، وهو الطريق للتخلص من التبعية للغرب الكافر، وهو طريق العزة والكرامة للحفاظ على أعراض المسلمين، وصون كرامتهم، وهو الكفيل برد الأمر والحكم لله ورسوله ﷺ صدقا وعدلاً لا كذبا وتلبيسا، إذ ينص على جعل العقيدة الإسلامية وحدها أساساً للحكم والدولة والدستور والحقوق والواجبات، بحيث لا يتأتى وجود شيء في الدولة إلا على أساسها، وفصل ذلك في 191 مادة يجد فيها السائل والطالب الجواب الشافي، وعرض أدلة كل مادة والأسباب الموجبة لها في مقدمة تشرح ذلك، وقد بذل ذلك للمسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها، فهل بعد ذلك من عذر للدعوة لأنظمة الكفر ديمقراطية كانت أو عسكرية؟!
بقلم: الأستاذ ناصر رضا
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع