عند الحديث عن نظام الحكم في الإسلام (الخلافة) في الجامعات السودانية في حلبة الصراع الفكري الجامعي (أركان النقاش) يتكرر السؤال من الطلاب، هل ستكون السلطات الثلاث (القضائية، والتشريعية، والتنفيذية) في دولة الخلافة الراشدة مجتمعة أم منفصلة؟!
هذا السؤال إن دل إنما يدل على أن ما يدرسه شباب المسلمين في الجامعات لا يقوم على أساس الإسلام، بل يقوم على الفكر الغربي العلماني، فهذا السؤال طبيعي لمن تعلم في دويلات يقوم منهج تعليمها على النمط الغربي العلماني. وهذه سياسة اتبعها الغرب الكافر في محاربة الإسلام متخذا من بوابة التعليم مطية، جاء في موسوعة الأديان: من الأساليب التي يتبعها أعداء الإسلام في حربهم له واتفاقهم على عدة طرق منها التعليم.
يقول بعض المبشرين: "إن أهداف المدارس والكليات التي تشرف عليها الإرساليات في جميع البلاد كانت دائما متشابهة، إن المدارس والكليات كانت تعتبر في الدرجة الأولى وسيلة تعلم من كتب غربية، وعلى أيدي مدرسين غربيين تحمل معها الآراء التبشيرية".
ويقول المبشر هنري هريس جسب: "إن التعليم في الإرساليات التبشيرية إنما هو وسيلة إلى غاية فقط، هذه الغاية هي قيادة الناس، وتعليمهم حتى يصبحوا أفرادا مسيحيين وشعوبا مسيحية".
ويقول بعض المبشرين: "إن المدارس قوى لجعل الناشئين تحت تأثير التعليم أكثر من كل قوة أخرى، ثم إن هذا التأثير يستمر حتى يشمل أولئك الذين سيصبحون في يوم ما قادة في أوطانهم".
ويقول المبشر تكلى: "يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني؛ لأن المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية، وتعلموا اللغات الأجنبية".
ويقول صموئيل زويمر: "ما دام المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية، فلا بد أن ننشئ لهم المدارس العلمانية، ونسهل التحاقهم بها، وهذه المدارس التي تساعدنا على القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب". هذا وغيره ما جعل شباب الجامعات يسألون عن السلطات الثلاث التي هي أحد لوازم النظام الجمهوري الديمقراطي. لأن الجمهورية كلمة لاتينية الأصل ذات مقطعين Re وتعني "شيء" وpublic وتعني "عام" فيصبح معناها "الشيء العام"، أي أنها أسلوب الحكم الذي يقوم على مشاركة مجموع الشعب، فالجمهورية نظام من أنظمة الحكم الأقرب للديمقراطية ويقوم على مبدأ سيادة الشعب وحريته في اختيار حكامه، ومشاركته الواسعة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد وجدت الجمهورية في المدن اليونانية قديماً تعبيراً عن الإرادة الشعبية العامة في وقت كانت تسود فيه الملكية.
ومبدأ الفصل بين السلطات الثلاث بلوره العالم الفرنسي مونتسكيو عام 1748 في كتابه "روح القوانين"، وتأثر به جان جاك روسو في كتابه "العقد الاجتماعي" حيث كانت النظم السياسية في أوروبا، حتى ذلك الوقت، تعتمد جمع السلطات الثلاث في شخص الحاكم، أو بشكل أوضح كانت هذه السلطات الثلاث تتداخل بشكل يخلّ بأداء الدولة، ويؤدي بها إلى تسلط الحاكم ومن يلوذ به، على الشعب ومقدراته. وهذا ما يدرس في جميع الجامعات السودانية التي تدرس العلوم السياسية. إذن هذا السؤال ناتج عن وجهة النظر الغربية لأنظمة الحكم.
بينما نظام الحكم في الإسلام (الخلافة) فله أجهزة حكم يقوم عليها بيّنها حزب التحرير في كتاب "أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة"، ومما جاء فيه:
أولاً: إن نظام الحكم في الإسلام الذي بينه رب العالمين هو نظام الخلافة الراشدة الذي ينصب فيه الخليفة بالبيعة على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
ثانياً: إن شكل نظام الحكم في الإسلام الخلافة يختلف عن جميع أشكال الحكم المعروفة في العالم، سواء في الأساس الذي يقوم عليه أم في الأفكار والمفاهيم والمقاييس، أم في الدستور والقوانين التي توضع موضع التطبيق والتنفيذ، وعليه فإن نظام الحكم في الإسلام (الخلافة) ليس نظاما ملكيا، ولا ديمقراطيا، ولا جمهوريا، ولا إمبراطوريا. فلا يشبهها بأي حال من الأحوال حتى يثار مثل هذا السؤال (الفصل بين السلطات الثلاث).
ثالثاً: إن أجهزة دولة الخلافة تختلف عن أجهزة الحكم المعروفة الآن وإن تشابهت في بعض جوانب مظاهرها فأجهزة دولة الخلافة تؤخذ من الأجهزة التي أقامها رسول الله ﷺ عندما هاجر إلى المدينة المنورة وأقام الدولة فيها فسار عليها خلفاؤه الراشدون من بعده، وباستقراء النصوص الواردة فيها يتبين أن أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة هي على النحو التالي:
الخليفة، وهو الذي ينوب عن الأمة في السلطان ومناط به تطبيق شرع الله - المعاونون (وزراء التفويض) - معاون التنفيذ - الولاة - أمير الجهاد (الجيش) - الأمن الداخلي - الخارجية - الصناعة - القضاء - مصالح الناس - بيت المال - الإعلام - مجلس الأمة (الشورى والمحاسبة).
وهذه الأجهزة مفصلة في الكتاب المذكور آنفا. وهذا ما يجب على المسلمين وخاصة طلاب الجامعات أن يأخذوا أنظمة حكمهم من النبع الصافي الذي تركنا عليه النبي ﷺ وأوصانا به كما قال في الحديث الصحيح عن الْعِرْبَاض: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْداً حَبَشِيّاً، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رواه أبو داود والترمذي
نسأل الله سبحانه أن يكرمنا بنصره، وأن يوفقنا لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فيعز الإسلام والمسلمون ويذل الكفر والكافرون، ويعم الخير في ربوع العالم ﴿إنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.
بقلم: الأستاذ الفاتح عبد الله – جامعة النيلين – ولاية السودان
رأيك في الموضوع