لصراع الدولي هو سمة العالم في القرن الماضي، حيث كان بين الدولتين الكبريين وهما آنذاك الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، والذي أخذ صفة الحرب الباردة، ومع انتهائه وتفكك دول المعسكر الشرقي انتهت الحرب الباردة، ولكن الصراع لا ينتهي للسيطرة على مناطق نفوذ الاستعمار القديم المتمثل بالدول الأوروبية، وعلى رأسها ما عرف سابقًا ببريطانيا العظمى التي هي داهية السياسة العالمية، وعليه فإنا نرى الصراع الدولي يحتدم وخصوصًا في مناطق العالم الإسلامي ومناطق مرور خطوط البترول والغاز، وتواجدهما بكميات تجارية لا غنى للدول الكبرى عنها،. إن عاصفة الحزم في اليمن وثورة الشام مثال صارخ لاشتداد الصراع الدولي، والذي وصل حد كسر العظم واستعمال السلاح، ولكن دون مواجهة مباشرة، فقد عَمِدَت كل أطراف الصراع إلى المواجهة بالوكالة، أي بأيدي عملاء لهم مصالح أصبحوا يضحون بالغالي والنفيس من أجل المحافظة عليها، ومنهم من له أطماع قومية للبروز كشرطي للمنطقة، ودولة إقليمية كبرى بلا منازع، وهذا واضح كل الوضوح ومتمثل بالدول العربية وإيران وتركيا، فكلهم يريد خدمة سيده وولي نعمته الغربي، فمنهم من له مطمع في الحفاظ على كرسي الحكم والسلطة، بعدما أطاحت ثورات الأمة بزعماء حكموا أكثر من ثلاثة عقود، وإيران تريد الظهور بالقومية الفارسية ولكن بثوب الثورة المذهبية والإسلام، وتركيا تحاول أخذ دور الدولة السنية التي تهتم بشأن المسلمين، رغم تآمرها على ثورة الشام وأهل الشام.
معلوم أن اليمن حكمت بعميل بريطانيا السابق علي عبد الله صالح، وبالثورة عليه أتى بعده الرئيس هادي، ولكن الأمر لم يستقر له، كما في باقي بلاد الربيع العربي، حيث ما زال في الشارع من يطالب بالتغيير الجذري الصحيح، وأولئك هم أبناء الأمة الإسلامية المخلصين، وبقي الصراع الدولي يشتد أُواره بين أمريكا وأوروبا، وما سمي بالفوضى الخلاقة الأمريكية، وتقسيم العالم حسب التفرد الأمريكي الجديد، وخصوصًا بعد ظهور ضعف روسيا، وانتهاء ما عرف بالحرب الباردة، ومع هذا وذاك كان لنتائج الأزمة المالية الأمريكية العالمية قيود وشروط قاسية على تحركات كل الدول الكبرى، وخصوصًا بعد حسبة كانت كلفتها تريليونات في حرب أفغانستان والعراق، وعشرات الألوف من القتلى، وتشويه صورة أمريكا عالميًا وخصوصًا في العالم الإسلامي، فقد تم اعتماد أسلوب الاعتماد على العملاء الذين زرعتهم أمريكا مسبقًا واستغلال وجودهم، وتقوية نفوذهم؛ ليكونوا شرطي المنطقة بالوكالة، مع ضبط كل طرف بطرف آخر عميل لها، أي ضمن معادلة توازن قوى واستغلال المذهب الشيعي والسني، وإثارة القومية والعرقية والطائفية، فهي تضرب عدة عصافير بحجر واحد، حيث تعمل على تقسيم المقسم وبإرادة ومطالب شعوب المنطقة، ودماء وأموال أهلها، فعندما تحركت السعودية وحلفها بما سمي عاصفة الحزم، تنادت مصر للمساعدة، وكذلك تركيا للدعم اللوجستي، وصرحت بما يفهم أنها لا توافق على تصرفات إيران بالمنطقة ودعمها للحوثيين في اليمن، ومثل ذلك ما تفعله بشكل صَلِف في الشام والعراق، فالكل يعمل لطرف أمريكا سواء السعودية أم مصر أم تركيا، وكذلك العراق، ولكن لكل منهم ما يخصه من العمل والحد من شطط الآخر وتمدده، وهذا ما تريده أمريكا بسياسة إعطاء توكيل محدود لكل شرطي على انفراد في منطقته وبما يحفظه قويًا على حساب الصراع مع الطرف الأوروبي، بل والعمل على إنهاء وجود الهيمنة الأوروبية من المنطقة بالكامل، والتحكم بكل موارد وإرادات المنطقة الإسلامية وقراراتها وخصوصًا منابع النفط وتسعيره بما يلائم مصالحها وإنتاجها النفطي الصخري غالي التكلفة، والإبقاء على تسعير النفط بالدولار للإبقاء على هيمنة وقوة الدولار الأمريكي.
ومنذ أن تفجرت ثورات الأمة في العالم الإسلامي، ولم يكن قد تم رصد ذلك من أي جهة كانت، ولم يكن لها ملفات معدة مسبقًا للتعامل معها، فقد رأينا أن ابن علي في تونس، ومبارك في مصر لم يستطيعا البقاء أكثر من أسابيعٍ ثلاثة، وتم خلعهم والقضاء عليهم، وما إن فعلت لعبة الدومينو فعلتها في العالم العربي حتى أدرك الغرب الاستعماري أنها صحوة أمة، وتحرك مارد، ومحاولة الخروج من القمقم، فأعاق ثورة ليبيا، وكذلك فعل في ثورة الشام عندما تحرك أهلها، فحولها إلى ثورة دامية وأعاق أي منفذ للتخلص من عميل أمريكا بشار، وأمده بكل أسباب البقاء والقوة، سواء على مستوى القرارات الدولية ومبعوثيها وكل المؤتمرات الدولية، وعندما تهاوت قوة عميلها اضطرت لغض الطرف بدعمه من قبل إيران وحزبها اللبناني واستغلت إعلان ما يسمى خلافة اللغو؛ لتشتيت جهود الأمة على الصعيدين العراقي والشامي، وها هي تطلق يد الحوثيين أتباع إيران والمدعومين منها، وذلك لإكمال تشتيت الجهود وتأجيج الحرب الطائفية بين المسلمين والتي هي في حقيقتها صراع دولي لإنهاء النفوذ الأوروبي من كل بلاد المسلمين.
ونقول: نعم، هذا الصراع له ما بعده..!، حيث تم رصد مراكز الدراسات الاستراتيجية العالمية والأمريكية على وجه الخصوص بتقدم مشروع إعادة دولة الخلافة الإسلامية بين المسلمين، وتم نشر فكرها الذي كان فكرًا سياسيًا نخبويًا بين كل أبناء الأمة وخصوصًا بعد رفع راية العقاب في ثورة الشام وتناقلتها كل وسائل الإعلام، أي راية دولة الإسلام، وهي راية رسول الله r، فكان لا بد لأمريكا من إيجاد قوة من أبناء المسلمين تكون مستعدةً ولديها الجاهزية والأسباب المقنعة لمقاتلة دولة الخلافة الحقة التي يسعى لبنائها المسلمون، ولذلك أوجدت ذرائع محاربة الإرهاب أي الإسلام الحق، وقد أخافوا المسلمين من مسمى الخلافة الإسلامية مستغلين فظائع خلافة اللغو التي لا تعتمد على قوة الأمة وسلطانها، بل إنها تقتل أبناء الأمة الذين يخالفونها بمجرد رأي فقهي أو سياسي، فتحالف عاصفة الحزم الذي برر له بما يسمى بميثاق الجامعة العربية للدفاع المشترك، وما نحن ببعيد من تقتيل المسلمين على يد يهود في غزة هاشم أو من بشار وإيران في الشام، وها هم كلا المعسكرين بتصريحاتهم يناصر كل منهما معسكره سواء إيران أو السعودية حتى وصل الأمر إلى تهديد إيران بحرب إقليمية. وأصبح العالم كله يعلم ما يعني نجاح المسلمين ببناء دولتهم التي تحكم بالإسلام، وتؤوي كل من يأتي إليها سواء أكان مسلمًا أو من أي دين آخر، وتحفظ كل حقوقهم التي منحهم إياها الإسلام، وعليه فالصراع لصالح الغرب وأمريكا وعلى حساب المسلمين، وأرواح أبنائهم وأموالهم ودمار بلادهم، بل وزرع الشك في نفوس أبناء الأمة الإسلامية بجدوى التحرك للتغيير، والتحرر، ومحاولة بناء دولة تحكم بعقيدة المسلمين أهل المنطقة، ألا وهي العقيدة الإسلامية ودولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تحكم بالإسلام، ولكن الأمة الإسلامية وتحركها وإدراكها لما تفعله أمريكا ضد الإسلام وتقتيل المسلمين في أكثر من بلد مسلم، لن تهدأ الأمة إلا ببناء دولتها، والقضاء على سيطرة الغرب وعملائه على سلطان الأمة ومقدراتها المادية، ويعيد للأمة سلطانها وللإسلام سيادته، ويتم تحكيم شرع ربنا برحمة وعدل بين أبناء الأمة الواحدة بعيدًا عن أي طائفية أو عرقية أو قومية بل أمة إسلامية ولا غير، ونختم بالقول: إنه صراع دولي له ما بعده..!!
بقلم: وليد نايل حجازات - الأردن
رأيك في الموضوع