لم يعد الحديث عن دور النظام التركي وخطره على ثورة الشام ذا أولوية؛ فقد فضحته ثورة الشام وأسقطت عن عورته ورقة التوت أمام الجميع، الصغير منهم قبل الكبير، ولم يعد التلاوم والتباكي على ما مضى يفيد كثيرا؛ فقد سبق السيف العذل، ونحن الآن على مفترق طرق وعرة وفي مرحلة حرجة، وما يهمنا اليوم هو أن نهتدي أي الطرق نسلك؛ وما يهمنا في هذه المرحلة الحرجة من حياة ثورة الشام أن نتدارك أمرنا ونستجمع قوانا، فالوقت ليس في صالحنا؛ ومستقبل الثورة وكل التضحيات في خطر عظيم.
إن الواقع اليوم ليس كما يحاول أعداء الثورة تصويره لنا، فلا طاغية الشام عصياً عن الإسقاط؛ ولا قواته تمتلك القدرة على السيطرة والتقدم؛ ولم نفقد طاقاتنا بعد؛ بل لا زالت الطاقات موجودة ولكنها طاقات معطلة وكامنة تحتاج للاستخراج والتفعيل والتوجيه، وكل ما عدا ذلك خداع وتضليل وحرب نفسية ليسهل إنجاز المهمة القذرة في القضاء على ثورة الشام وتضييع تضحياتها.
نعم بلا شك إن قوات طاغية الشام ليست مؤهلة للصمود أمام المجاهدين؛ فضلا عن السيطرة على المناطق والتقدم المستمر، وهذا الأمر يدركه المجرم الروسي جيدا، ولذلك فهو يحاول التغطية عليه باتباع سياسة المحور الواحد والأرض المحروقة؛ وبالتنسيق مع النظام التركي شريكه في الإجرام، الذي فرض هذه السياسة على قيادات الفصائل؛ والتي هي بدورها أدت المهمة بشكل منقطع النظير، فأوقعت المجاهدين في محارق القصف العنيف والمركز، وجعلت المناطق عرضة للسقوط المنطقة تلو الأخرى، فاتباع طاغية الشام سياسة المحور الواحد مؤشر كبير على الوهن والضعف والهشاشة، وأيضا ليس أدل على ضعف قوات طاغية الشام وهشاشتها مما حصل في الساحل، حيث استطاع بضع عشرات من المجاهدين وبإمكانيات محدودة التقدم على نقاط عدة وفي زمن قياسي ساعات معدودة، نعم هذا هو واقع قوات طاغية الشام وهذه حقيقتها؛ ضعف وهشاشة فهي نمر من ورق.
وفي المقابل وبالنظر إلى واقع ثورة الشام؛ فإن جميع الإمكانيات والطاقات متوفرة لدى أهلها، ففيها رجال يحبون الموت كما يحب رجال طاغية الشام الحياة، وفيها من الأسلحة والذخيرة المخزنة في مستودعات قيادات الفصائل ما يكفي لبسط السيطرة وقلب المعادلة، وفيها من الخزان البشري ما تفيض به ساحات المعارك، وفيها من أهل الثورة الكثير ممن لا يزالون مستعدين لتقديم الغالي والنفيس في سبيل الله، هذا هو الواقع؛ وهذه هي الحقيقة التي يحاول أعداء الثورة تغييبها عن الأذهان تحت ضغط القصف الجوي الكثيف وما ينتج عنه من تهجير وفوضى واضطراب.
ولعل سائلاً يسأل؛ إذا كان الواقع بهذا الشكل فأين يكمن الخلل؟ وما هو السبيل لبداية الخلاص والخروج من عنق الزجاجة؟
وللجواب على هذا السؤال لا بد بداية أن ندرك أمرا في غاية الأهمية؛ وهو أنه رغم هذا الواقع ورغم كل هذه الإمكانيات لا يمكن تحقيق شيء يذكر ولا يمكن تغيير المعادلة؛ والسبب يعود في ذلك إلى وجود هذه المنظومة الفصائلية التي تترأسها قيادات ربطت قرارها بالدول الداعمة؛ وقدمت مصالحها الشخصية على حساب مصلحة الثورة؛ وهنا يكمن الخلل. ولا يسعنا في هذا المقال إلا أن نذكّر بما حصل في الغوطة الشرقية على سبيل المثال لا الحصر، فرغم وجود الإمكانيات الضخمة والتحصين الفائق؛ ورغم تهالك قوات طاغية الشام، إلا أنه بسبب وجود قيادات مرتبطة ضاع كل شيء؛ وفي زمن قصير انهارت الفصائل؛ وسقطت المناطق؛ وأسقط في أيدي الناس الذين أعطوا ثقتهم لقيادات أقل ما يقال عنها إنها لا تستحق الثقة، والذين سكتوا عن تجاوزات هذه القيادات التي بلغت بل تجاوزت كل حد ما عدا حدود الداعمين!
فالأزمة التي تمر بها ثورة الشام هي أزمة قيادة والخلل يكمن فيها؛ وهي أزمة حادة تحتاج لعناية مركزة، وكل من يحاول تشخيص الواقع بعيدا عن هذه الحقيقة فهو متآمر بحسن نية أو بسوئها، لا فرق في ذلك لأن النتيجة واحدة.
فكان من أولى الأولويات في هذه المرحلة الحرجة لخروج الثورة من عنق الزجاجة الذي وضعتها قيادات الفصائل فيه؛ ينحصر في توحيد الجهود تحت قيادة مخلصة وغير مرتبطة مهما كلف الأمر؛ وفي أسرع وقت ممكن، لأنه مهما كان حجم الطاقات كبيرا ومتنوعا فلا قيمة له مع وجود قيادة مسلوبة الإرادة والقرار، فلا يصح أن ينخدع أحد بعد الآن؛ ولا يصح لأحد أن يعيش في الأوهام بعد الآن؛ ولا يصح أن تستنزف الطاقات في مواضع أخرى بعد الآن، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
بقلم: الأستاذ أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع