"المشيرفة عدو" عبارة وصلتني صباح يوم الأحد؛ وكانت هذه العبارة من العبارات الكثيرة التي اعتدنا على سماعها بين الفينة والأخرى.
ثمة مرض خطير انتشر في تلافيف دماغ المنظومة الفصائلية فأدى بها إلى الشلل التام؛ فهو بمثابة الورم السرطاني الذي أخذ ينتشر ويتمدد في أنحاء الجسد حتى يؤدي به إلى الموت المحتم.
هذا المرض يتمثل بربط المنظومة الفصائلية نفسها وقرارها ومصيرها ومصير الثورة بالدول التي تسمي نفسها داعمة، حتى باتت هذه الفصائل عاجزة تماما عن فعل أي شيء دون الرجوع إلى تلك الدول لأخذ الضوء الأخضر منها؛ ففقدت قرارها المستقل وسيادتها على نفسها وأصبحت مستعبدة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى؛ كيف لا وهذه الدول أحلت للمنظومة الفصائلية الحرام كالهدن والمفاوضات...؛ وحرمت عليها الواجب من مثل فتح الجبهات وعلى رأسها جبهة الساحل؛ وإجبارها على اتباع سياسة المحور الواحد.. رُوِيَ عَنْ عُدَيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ e وَفِي عُنُقِي صليب من ذَهَبٍ فَقَالَ لِي: «يَا عُدَيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ»، فَطَرَحْتُهُ ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾، حَتَّى فَرَغَ منها، قلت: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ، وَيَحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟» قال: فقلت: بَلَى، قَالَ: «فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَهَلْ بَدَّلَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ وَأَحْبَارُ سَوْءٍ وَرُهْبَانُهَا.
وكان من أعراض هذا المرض أن تبلد الإحساس عند المنظومة الفصائلية؛ فلم تعد تشعر بمعاناة أهل الشام، بل على العكس زادتهم معاناة فوق معاناتهم؛ وتضييقا فوق ضيقهم؛ وآلاما فوق آلامهم، فها هي المجازر تقع بشكل شبه يومي دون أن تحرك المنظومة الفصائلية ساكنا، فوقعت مجزرة قاح التي راح ضحيتها العشرات من المهجرين؛ غالبيتهم من الأطفال، ودمرت مدينة كفر نبل والقرى المحيطة بها، ولا يكاد يمر يوم على منطقة الكبينة الاستراتيجية إلا ويقوم طاغية الشام بالعديد من المحاولات لاقتحامها؛ ناهيك عن الغارات الكثيفة التي تتعرض لها، وسقطت مدينة خان شيخون والمناطق المحيطة بها؛ ودنس أرضها؛ التي رويت بدماء الشهداء طاغية الشام مختالا بنصره الموهوم، وليس آخرا محاولات طاغية الشام قضم المزيد من المناطق على محور المشيرفة في الجنوب الشرقي لمحافظة إدلب. أضف إلى ذلك الإنزال الجوي الذي قامت به قوات التحالف في المربع الأمني لهيئة تحرير الشام؛ والذي استمر لساعات، وزعمت قوات التحالف حينها القضاء على زعيم تنظيم الدولة وعدة أشخاص من مرافقيه، حصل كل ذلك دون أن يتحرك للمنظومة الفصائلية ساكن؛ أو يرف لها جفن؛ وكأن الأمر في كوكب آخر، كيف لا وهي تعيش حالة من التخدير وقد أدمنت تعاطي المال السياسي القذر!
لا شك أن هذا المقال ليس المقال الأول الذي يخصص للحديث عن هذا المرض العضال ولن يكون الأخير، لأن آثاره لا زالت تفتك بجسد الثورة؛ وأعراضه لا زالت تظهر عليها للعيان.
لقد انطلقت فيما مضى دعوات عدة تدعو إلى علاج هذا المرض الخطير؛ لكن هذه الدعوات لم تلق آذانا صاغية؛ ولم ينتج عنها تحرك على مستوى الحدث الجلل، ربما لعدم إدراك البعض خطورة هذا المرض؛ وربما لجهل البعض أو خطئه في التشخيص، فمرت الأعوام والسنون؛ وأصيبت المنظومة الفصائلية بالشلل؛ وبترت الأعضاء وقضمت المناطق؛ ولا زالت المحاولات تسير على قدم وساق للإجهاز على ما تبقى من المناطق المحررة؛ والعمل على إجهاض الثورة بعد أن تموت سريريا، فكان لا بد والحالة هذه من العمل السريع لتدارك الأمر والجميع معني بهذا الكلام لأننا في سفينة واحدة والبلاء عام.
فواجب على الجميع العمل على إنهاء الحالة الفصائلية التي كانت السبب وراء كل ما حصل للثورة؛ نتيجة انحيازها لأوامر الداعمين، ومن ثم التوحد تحت راية واحدة؛ راية رسول الله e، وخلف قيادة واحدة مخلصة وغير مرتبطة تنهي هذه المعاناة وتستعيد زمام المبادرة من جديد.
بقلم: الأستاذ أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع