ما من أحد من الناس في الأردن إلا ويتحدث عما وصلت إليه حال البلاد والعباد من واقع سياسي خطير وأوضاع اقتصادية مزرية، والجميع يصف هذا الواقع بكل تفاصيله ويبحثون ويتحدثون عن الأسباب التي أوصلت البلاد والعباد منذ البداية إلى هذا الواقع المخيف، على أمل إيجاد الحلول للخلاص من هذا الضنك الذي يعيشون، فقالوا عن الدور الوظيفي للنظام في الأردن وما يترتب على هذا الدور من تسخير كل إمكانيات البلاد للقيام بهذا الدور الوظيفي الذي يخدم بالتأكيد مشاريع القوى الاستعمارية، وعما يلزم هذا الدور من تضليل لأهل الأردن وتزييف لإرادتهم وزرع اليأس في نفوسهم، وقالوا عن الفساد بكل أنواعه وأشكاله وعن الرعاية الرسمية لمنظومة الفساد، وعن اللصوصية والمحسوبية وعن الشللية وعن عدم نزاهة القضاء وعن تغول الأجهزة الأمنية على الناس واستقوائها على أصحاب المال والاقتصاديين وحمايتها للفاسدين وقمعها للشرفاء الحريصين على البلاد حرصهم على أنفسهم، وقالوا عن عدم قدرة مجلس النواب في تمثيل الناس وتبني مصالحهم، وعن عجز المنظومة التشريعية وفسادها وتسخيرها في كل ما يقهر الشعب الأردني ويزيد معاناته، وعن عدم امتلاك الحكومات للولاية العامة، وقالوا عن نهب المسؤولين والمتنفذين للمال العام وبيع الممتلكات العامة ونهب المساعدات الخارجية، وقالوا عن عدم استغلال ثروات الأردن الهائلة، وقالوا عن توريث المناصب والاستقواء بها وعن سياسات النظام الجبائية وسياساته في قهر الناس وتكميم أفواههم، وقالوا عن استقواء بعض السياسيين بالخارج... وقالوا، وقالوا، وقالوا، وتجاهلوا عن قصد وسبق إصرار السبب الحقيقي والمباشر الذي أوصل البلاد والعباد منذ البداية إلى هذا الواقع المخيف والمخزي والمتمثل في تغييب أحكام الإسلام ومواصلة إقصائها عن الواقع كمنهج حياة، تبعيةً للغرب الكافر ولازماً من لوازم هذه التبعية التي جعلت من النفوذ الاستعماري الإنجليزي مسيطرا على كل مفاصل الحكم والحياة في الأردن.
وفي ظل ضعف بريطانيا صاحبة النفوذ الاستعماري في الأردن وانعكاس ذلك الضعف على النظام هناك، وفي ظل غرق من صنعتهم بريطانيا على عينها من رجال الحكم والسياسة في مستنقع الفساد ودورهم الرئيسي في معاناة الناس وقهرهم، وفي ظل ضعف الوسط السياسي للنظام والعقلية النفعية الجشعة التي تسيطر عليه، فقد استطاعت أمريكا المتطلعة منذ زمن لطرد النفوذ الإنجليزي بالكامل من الأردن، استطاعت وعلى نار هادئة أن توجد الفراغ بكل أشكاله، من خلال إغراق الأردن في الديون وكشف قضايا فساد كبيرة كالقضية التي أطاحت بمدير المخابرات الأسبق سميح البطيخي، مرورا بقضية بيع الأسلحة التي أطاحت بعدد كبير من ضباط المخابرات، وليس انتهاء بقضية الدخان التي ستكون سيفا على رقاب الكثيرين من رجال الحكم والسياسة والاقتصاد وقادة أمنيين، وأيضا عن طريق الحصار الاقتصادي غير المعلن على الأردن ومنع دول الخليج من مساعدته ماليا، وعن طريق أداتها الاقتصادية الاستعمارية البنك الدولي الذي أفرغ جيوب الناس وسيطر على القرار الاقتصادي... وأصبح ظاهرا للعيان عجز النظام بالكامل عن إدارة الدولة وإيجاد الحلول الصحيحة للواقع المتردي الذي تعيشه البلاد، وأصبح خوف الناس على حاضرهم ومستقبلهم مسيطرا عليهم بشكل كبير، وأيضا عن طريق مساعداتها العسكرية المشروطة بأن ينخرط الأردن بكل أعمالها العسكرية القذرة في المنطقة وخارجها وعقد التحالفات العسكرية والأمنية معها والتي استهدفت وتستهدف الإسلام والأمة بأكملها، وأيضا عن طريق استهدافها لأمن واستقرار الأردن الداخلي وتهميشه سياسيا في المنطقة واستهداف ما يسمى بوصاية الملك الدينية على المقدسات في القدس لتنزع عنه ما يعتبره شرعية تاريخية في وجوده واستمراره...
وها هي أمريكا تخطو خطوات كبيرة وسريعة محاولة ملء الفراغ الذي أوجدته لبسط نفوذها الاستعماري على الأردن لتتمكن من نهب ثرواته الهائلة تحت غطاء الاستثمار وخلق فرص عمل وتحت غطاء خطة نمو الاقتصاد وبناء مستقبل زاهر، وذلك لمواصلة حرمان الشعب الأردني من الاستفادة منها والتحكم بكل مفاصل الحياة في الأردن ولفرض وجهة نظرها في الحياة وطريقة عيشها على أهل الأردن وجعلهم خدما وعبيدا لها من خلال شركاتها الكبيرة التي ستأخذ كل شيء.
وتنفيذا من أمريكا لبرنامجها ومخططها في بسط نفوذها الاستعماري على الأردن فقد باشرت باستغلال معاناة أهل الأردن واحتقانهم وغضبهم ويقينهم بعجز النظام ولامبالاته بمعاناة الناس وعدم اكتراثه لكرامتهم المهدورة ولا بسلامة عيشهم، مستفيدة من الرعب الذي سكن في قلوب الناس على حاضرهم ومستقبلهم، وما شعار الملكية الدستورية الذي يسوّق زورا وكذبا وتضليلا على أنه بداية طريق الخلاص والنجاة والذي أصبح ترنيمة على لسان الكثير من السياسيين والحراكيين ما هو إلا بند من بنود مخطط أمريكا في استهداف الأردن وأهله بعد أن تولدت عندهم إرادة التغيير والخلاص، وذلك بحرف تفكير الناس عن السير في طريق النجاة والنهضة والخلاص الصحيح المتمثل بإعادة الإسلام لواقعهم كمنهج حياة وطريقة عيش، وهدفها في ذلك تمهيد الطريق لبسط نفوذها وفرض إرادتها ومشاريعها الاستعمارية في الأردن والسيطرة الكاملة على كل مناحي الحياة فيه.
إن الذي يجب أن يعيه كل أهل الأردن هو أن الملكية بكل أشكالها باطلة شرعا وليست من الإسلام في شيء؛ فلا خير في الملكية المطلقة ولا في الملكية الدستورية ولا في النظام الجمهوري، فكيف بها وهي فوق ذلك تدين بالتبعية للغرب الكافر الذي أذاق المسلمين شتى أنواع الظلم والعذاب والقهر؟! وإن ما يجب أن يتيقن منه أهل الأردن هو أنه لا خلاص ولا نجاة لهم من الواقع الأليم إلا بعودة نظام الإسلام المتمثل بكيانها السياسي الشرعي (دولة الخلافة على منهاج النبوة) وإن العمل لها ليس خيارا من الخيارات بل هو فرض من أعظم الفروض التي فرضها الله على عباده. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ محمد عبد الله
رأيك في الموضوع