أسلحة كيماوية، قنابل فسفورية، وأخرى ارتجاجية حديثة ذات تدمير عالٍ، الرجال يودعون زوجاتهن كل صباح؛ إذ إن طائرات الموت لا تفارق السماء، تلك هي صورة حلب، "ينسعر" عليها أوباش أمريكا، روسيا وإيران وأزلامهم إضافة لنظام أسد، مستهدفين من خلال حصارها وعمليات الإبادة التي يتفننون في ارتكابها القضاءَ على ثورة الشام ودفن غاية الأمة في التحرر والنهوض وإقامة الخلافة على منهاج النبوة، لقد بات معلوماً أن هذه المحرقة التي أشعلها الصليبيون في حلب لم تكن جديدة على هاته المدينة، فلا ننسى هجمة (نيسان) الفائت والتي اقترفت فيها الزمرة المجرمة ذاتها جرائم لا تقل بشاعة أو حجماً عما نراه هذه الأيام. وإذا عدنا في عجالة إلى الوراء قليلاً نجد أن النظام (منذ تموز 2014) وضع نصب عينيه حصار المدينة بعد أن استعاد منطقة (الشيخ نجار) شرق المدينة ثم اتجه عبر عدة مراحل إلى طريق الكاستيلو الذي حمي وطيس معركته مطلع أيار هذا العام، فكان هناك تدافع ومعارك مستمرة بين الثوار وبين النظام ومرتزقته مصحوباً بسلاح الطيران الروسي، انتهت أخيراً برصد الطريق نارياً وشل حركة المرور فيه ثم السيطرة على (مجمع الكاستيلو) والذي كان إيذاناً بإلغاء الطريق وحصار المدينة بشكل رسمي (25/8/2016). حصار حرم الناس من أدنى مقومات العيش، فغدت المحروقات معدومة، وأمسى الناس لا يرون الخضروات والفواكه إلا من خلال الصور أو شاشات التلفزيون، وكذلك الماء والكهرباء صارا خفيفَيْ ظل على أهل المدينة، إذ إن الماء لم يعد -بسبب قلة الوقود - يضخ إلا كل عشرة أيام وأكثر ومثل ذلك الكهرباء من حيث الندرة، فاغتمّ الناس وانقبضت صدورهم وبلغت قلوبهم الحناجر، ثم كانت هناك انفراجة ضئيلة حين فُكَّ الحصار بسواعد المخلصين المجاهدين الذي آلموا النظام في أكثر مواقعه تحصيناً (الكليات العسكرية) واستطاعوا فتح طريق جديد للمدينة، طريق لم تكن معه فرحة الناس إلا بضعة أيام إذ إن النظام عاد وحازه مجدداً بدعم كثيف من أمريكا سياسياً وروسيا عسكرياً عن طريق سلاح الجو وأفواجٍ من مقاتلي إيران وأتباعها من لبنان والعراق، إضافة لاعتبارات أخرى متعلقة بمعركة جرابلس ليس هنا مقام الخوض فيها.
وبذلك عادت الأحياء الشرقية في المدينة إلى طاولة المكائد الأمريكية وصارت ورقة ضغط لها على الثوار حتى يطأطئوا الرأس لها ويخضعوا لشروطها، وبات الناس في حلب مجدداً بين الجوع والقتل والإرهاب النفسي الذي يكويهم به نظام الطاغية بإرساله رسائل إلكترونية وإلقائه مناشير ورقية لهم يطالبهم فيها بإخلاء المدينة والابتعاد عما يسميهم بالمسلحين!، تزامناً مع حملات قصف شرسة يُصَبِّح فيها الطاغية وحِلْفُه على الناس ويُمَسِّيهم فيقطف رؤوسهم ويصبغ الجدران بلون دمائهم ويجتث مسرتهم وابتسامة أطفالهم، يطمع النظام وفوقه سيده الأمريكي بفرض السيطرة على حلب وقطع الشريان الرئيس الأخير للثورة اعتماداً على سياسية التجويع المتكاتف مع القتل اليومي تمهيداً لأن يرفع الناس الراية البيضاء ويُخْلُوا المدينة له، وهذا ما أشارت له منظمة الصحة العالمية قريباً إذ دعت لممرات آمنة في حلب لإجلاء الجرحى والمصابين، وهذه الدعوة لها ما بعدها ولا تقتصر على البعد الإنساني وتنطوي على المعنى السياسي الذي أشرنا له من إبرام تسوية بين الثوار والنظام والخروج من حلب، هذا هو الطريق الأقصر والأنجع للسيطرة على المدينة إذ إن محاولة اقتحامها لا تدور في خَلَد النظام وحلفائه وأسياده كونها ذات كتل إسمنتية كبيرة ومتشعبة ورجالها متمرسون على القتال فيها وخبراء بحرب الشوارع وهذا ما يفتقر إليه النظام ومليشياته المرافقة المحلية والإقليمية. ولتسريع إنجاز المهمة القذرة، يراهن النظام على كسر إرادة الناس ونفاد صبرهم حين يقصفهم من جهة ويمنعهم من العلاج والتداوي من جهة أخرى إذ يقصف المستشفيات بشكل ممنهج، فقد قصف (مشفى الصاخور) أكبر مشافي الأحياء الشرقية في الأول من هذا الشهر وأخرجه عن الخدمة، ويستهدف سيارات الإسعاف أيضاً ويمطرها بالصواريخ والقنابل حتى إنه يستهدف السيارات المدنية التي لم يعد يستقلها الناس واستبدلوا بها الدراجات الهوائية والنارية، وفوق ذلك يدمر كل أدوات الحياة في المدينة فيقصف ما تبقى من محطات المياه التي لا تعمل إلا بشق الأنفس بسبب انقطاع الكهرباء وقلة الوقود اللازم لتشغيلها، وكما ذكرنا أعلاه يطمع النظام وأسياده بابتلاع حلب سريعاً نظراً لطبيعتها الصناعية وكونها لا تمتلك أراضي زراعية (كما تملك غوطة دمشق) تكفي حاجتها للعيش وتقيم أودها للاستمرار.
إلا أن النظام وأسياده أعمى الله بصيرتهم ولم يدركوا أن أهل حلب فيهم من الصلابة ورباطة الجأش ما يدوِّخ كل من يجتمع عليهم ويقصدهم بسوء، وأنهم مع كل العوامل الأليمة التي تحيط بهم لن يرموا السلاح ولن يحققوا أماني أمريكا، إذ إنهم ومع قلة ذات اليد وانخفاض كمية المواد الغذائية عندهم أبَوا أن يعطوا الدنية في دينهم واستعلوا على الأمم المتحدة وأمريكا فخرجوا في مظاهرات يرفضون فيها المساعدات الأممية الآثمة! وخرجوا بمظاهرات أُخرى يشنعون فيها على أمريكا وملحقاتها وأشياعها ويعتبرونها رأس التآمر والكيد بهم، وهم الآن جميعهم من مدنيين ومجاهدين يعقدون عزمهم ويعدون العدة لرفع الحصار عنهم وضرب النظام وتكسير أضلاعه بل وتحرير كل المدينة من رجس المجرمين، يروى عن الناصر صلاح الدين أنه قال: "ما فرحت بشيء فرحي بتحرير قلعة حلب، فإنه إذا سقطت حلب سقطت كل الشام معها"، وإن غداً لناظره قريب.
بقلم : أحمد سعد
رأيك في الموضوع