الحزب السياسي هو الحزب الذي يجعل من مصالح الناس وهمومهم شغله الشاغل فهو معني بتحقيق مصالح الناس، فعمله معني بالتغيير والتدبير من أجل حياة أفضل وأعز على الصعيدين الواقعي والأيديولوجي. فعمله سياسي فهو يخوض غمار الحياة السياسية فيقارع الحكام ويناضل من أجل إيجاد فكرته التي تكتل أعضاؤه عليها في معترك الحياة. وبهذا يكون الحزب السياسي أيضا في الدول المستقلة طريقة للوصول إلى الحكم ونيل السلطة من أجل تطبيق برنامج الحزب وأهدافه في المجتمع.
وتتنوع الأحزاب السياسية بحسب أيديولوجيتها، فالأيديولوجية هي التي تضفي اللون والميل على الحزب السياسي وتشكل غالبا أساس البرنامج الحزبي. هذا في الأحزاب السياسية الأصيلة، أما في الأحزاب السياسية غير الأصيلة فتكون الأحزاب متحررة من كل إرث ومخزون فكري وتاريخي وهي أحزاب طارئة ليس لها علاقة بواقع الأمة وماضيها.
وبمجيء الإسلام للحياة وخاصة الحياة السياسية فقد حدد الخالق سبحانه وتعالى لون وميل الأحزاب السياسية التي تريد أن تعمل في أمة الإسلام وبين ظهرانيها. فجعل العقيدة الإسلامية شرطا أساسيا لقيام هذه الأحزاب. وبذلك يكون الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الأحزاب في البلاد الإسلامية هو العقيدة الإسلامية لا غير. فالعقيدة الإسلامية هي الأساس في كل شيء وهي أساس التغيير وهي أساس تحديد حقيقة المصالح وطريقة تحقيقها وهي أساس الاختلاف والتنازع بين الحزب والدولة وبين الحزب والأحزاب الأخرى العاملة في الميدان وبين أعضاء الحزب نفسه. وكانت الدولة الإسلامية معنية بتمكين العلماء والجماعات من حقوقهم ما دامت هذه الجماعات والتيارات والأحزاب جاعلة العقيدة الإسلامية أساسا لعملها.
ولقد فهمت الأمة هذه الحقيقة على مر العصور والأزمان وتقيدت بها إلى أن هدمت دولة الإسلام في القرن الماضي وقسمت أراضيها إلى دويلات بموجب اتفاقية سايكس بيكو وغيرها. فعمد المستعمرون في تلك الدويلات - بعد أن أوجدوا حكاماً دمى لهم هناك يحكمون باسمهم - على تأسيس أحزاب تقوم على أساس غير أساس العقيدة الإسلامية. وهذا كان مهما جدا بالنسبة للمستعمِرين. فلا يكفي أن تقطع وتمزق جغرافيا بل إن الأهم أن تمزق الفكر والثقافة وأهمها الأساس الذي هو العقيدة والإرث الأيديولوجي.
ولذا شهدت البلاد الإسلامية نشأة غير مسبوقة لكثير من الأحزاب الوطنية والأحزاب العلمانية والاشتراكية والديمقراطية لأجل هذا الغرض. ولم يسمح المستعمرون أن تقوم أي تكتلات وأحزاب سياسية على أساس العقيدة الإسلامية وعلى أساس مصالح الأمة كأمة. ولذا فقد حوربت أي أحزاب أو حركات قامت على أساس العقيدة الإسلامية وطوردت وزج بأعضائها في السجون وعمل على تفكيكها وتخويف الناس من الانضمام إليها والعمل معها.
وعندها خرجت موضة الأحزاب السياسية "الإسلامية" ذات الطابع الوطني، وأخرى ذات الطابع الديمقراطي. والحقيقة أن الاسم يناقض بعضه بعضا إذ كيف يكون الحزب إسلاميا وفي الوقت نفسه يكون وطنيا؟! وكيف يكون الحزب إسلاميا وفي الوقت نفسه يكون ديمقراطيا؟! فهذا يخالف جوهر الإسلام وعقيدته صراحة ومضمونا. فالإسلام يمقت الوطنية والعصبية والقومية ويرفض أي حاجز فكري أو مادي يقف بين أبناء عقيدة التوحيد. ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ والإسلام قد جعل العقيدة الإسلامية لا رأي الأكثرية أساس التشريع. ويعتبر الإسلام أن أي دعوة مثل هذه الدعوات هي من عزاء الجاهلية المقيتة البغيضة.
ولذا كانت هذه الأحزاب الوطنية والديمقراطية (الإسلامية) أكثر إمعانا في تقسيم المسلمين وتمزيق الأمة من غيرها، فهي تتستر بعباءة الإسلام وتضلل الأمة الإسلامية عن وحدتها ووجهتها وغايتها. ووصلت الحال بزعيم إحدى الحركات "الإسلامية" البارزة في عالمنا العربي حينما سئل عن الشيشان حال زيارته لموسكو أن يقول: (إن الشيشان هي أمر روسي داخلي، لا ينبغي لأحد التدخل فيه).
وإن أكثر الأمثلة وضوحا على ما نقول هو ما قامت به حركة (النهضة) في تونس التي قالت إن العقيدة الإسلامية أساس لعملها عند نشأتها في سبعينات القرن الماضي، فالتفّ حولها الناس في تونس ودعموها إلى أن وصلت إلى الحكم، وبعد وصولها الحكم أظهرت مدى تفلتها من الإسلام، بل كانت أكثر وطنية وديمقراطية من الأحزاب العلمانية والمدنية الأخرى في البلاد ومن ثم تجد الحركة مؤخرا في تونس تتنازل عما أسموه (بالإرث الأيديولوجي) وترك العمل الدعوي والتحول إلى حزب سياسي فقط. وبذلك تكون حركة النهضة قد أسقطت ورقة التوت التي كانت تسترها قليلا إذا ما ذكر الإسلام السياسي.
والسؤال هو: ألم تكن حركة النهضة في تونس قبل ذلك حزبا سياسيا؟ إذ كيف يصل للحكم حزب غير سياسي؟ الذي يبدو هو أن الحركة تريد التخلص من العبء الأيديولوجي (الإسلام السياسي) في عملها في تونس ولذا وجدت ترحيبا شديدا من قبل الأوساط العلمانية.
ولذلك فإن الحزب السياسي من وجهة نظر الإسلام هو ذلك الحزب الذي يقوم بالأعمال السياسية، أي بأعمال رعاية الشؤون وفق أحكام الإسلام، ويحاسب الحكام على أي تقصير في رعايتهم لشؤون الأمة أو حيدهم عن مبدأ الإسلام في تلك الرعاية، ويعمل في حال غياب الحكم الإسلامي إلى إيجاد الإسلام في واقع الحياة عن طريق إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة..
بقلم: د. فرج ممدوح
رأيك في الموضوع