يُخطئ من يظنّ أنّ أوروبا تستقبل اللاجئين المسلمين لدوافع إنسانية حسب ما يقول سياسيوها، أو أنّها تتعامل معهم على أسس تعددية ثقافية تتساوى فيها الحضارات والأديان حسب ما يزعم علمانيوها، فنصف الدول الأوروبية قد صرّح قادتها بأنّها تخشى من هجرة المسلمين إليها، وأنّ قدومهم سيشكّل تحدّياً جدياً على الهُوية (المسيحية) لأوروبا، وأمّا النصف الآخر فقد عالج قادتها المشكلة بطريقة سياسية ملتوية غلّفوا فيها عنصريتهم البغيضة بعبارات دبلوماسية كاذبة.
فقد حذّر رئيس وزراء المجر (هنغاريا) فيكتور أوربان صراحةً من خطر اللاجئين المسلمين، ووصفهم بأنّهم: "حاملو ثقافة جديدة مختلفة عن شعوب القارة الأوروبية"، وقال بأنّ: "تلك الثقافة الإسلامية ستجتاح دول أوروبا، وستشكّل تهديداً لشعوب أوروبا المسيحية الذين سيصبحون غرباء في أوطانهم بعد عقود" على حد زعمه، وقرّر بأنّ: "عصر تعدد الثقافات قد انتهى".
وأمّا رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت منكو فقد أعلن أنّ بلاده: "ستستقبل المسيحيين فقط من اللاجئين السوريين"، ومثله رئيس الوزراء التشيكي ميلوس زيمان الذي أعلن أنّ بلاده: "لن تستقبل اللاجئين المسلمين"، وكذلك فعلت النمسا التي قالت وزيرة داخليتها: "إنّ بلادها ستستقبل ألف لاجئ سوري يجري اختيارهم من المسيحيين"، وسبقتهم رئيسة وزراء بولندا إيفا كوباتش التي قالت تعليقاً على قبول الحكومة البولندية لخمسين عائلة مسيحية سورية في إطار مبادرة تقودها منظمة (استيرا) الخاصة: "إنّ المسيحيين الذين يتعرضون اليوم للاضطهاد بطريقة همجية في سوريا يستحقون من البلدان المسيحية مثل بولندا التحرك بسرعة لمساعدتهم".
وقد اتخذت الموقف ذاته بالإضافة إلى هنغاريا والنمسا وسلوفاكيا وبولندا كل من بلغاريا والتشيك ومكدونيا والصرب فاعتبرت أنّ (المسيحية) هي المعيار الأساس في قبول اللاجئين.
وأمّا الدول الأوروبية الكبرى والاستعمارية كألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها فقد أخفت وجهها العنصري القبيح، وأظهرت الوجه الإنساني المخادع لتلبية متطلباتها الأنانية، ولمعالجة مشكلة اللجوء المتفاقمة التي باتت تُحاصرها، وهي تعلم جيداً أنّها هي التي ساهمت في صنعها وإيجادها، بسبب استعمارها الطويل لسوريا، ولسائر بلاد المنطقة مدة طويلة، ثمّ بعد ذلك تركتها أشلاء دول لا تقوى على العيش من دون "مد يد العون لها".
فأوروبا ابتداء هي التي مزّقت الخلافة العثمانية شر ممزّق، تلك الخلافة التي كانت بمثابة الدولة الإسلامية الحقيقية التي تجمع كل المسلمين في كنفها، بوصفها (الدولة الأم) التي تحتضن وتضم كل هذه الدويلات القائمة اليوم في المنطقة العربية والإسلامية، وأوروبا هي التي رسمت حدود هذه الدويلات المصطنعة الحالية بعد أنْ سلختها عن جسم الخلافة، وجعلتها دولاً قاصرةً لا تتوافر فيها أدنى مقومات العيش والاستقرار، وهي التي زرعت كيان يهود كخنجر مسموم في خاصرتها، وهي التي استنزفت خيراتها ومواردها وجُلّ ثرواتها باستعمارها الطويل والمباشر لها، ومن ثمّ ربطتها بعجلة تبعيتها المطلقة طوال عشرات السنين الماضية ربطاً محكماً أفقدها سيادتها واستقلالها، ثمّ إنّها استخدمتها بعد ذلك كوقود للاحتراق لتغذي به صراعها وتنافسها مع أمريكا، بعد أن تبوأت الأخيرة الصدارة في الموقف الدولي.
وبالرغم من أنّ أمريكا قد أزاحت أوروبا عن قيادة العالم والمنطقة الإسلامية، فإن أوروبا خاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تزال تتآمر على البلاد الإسلامية، وتتدخل في شؤونها، وتستفيد من الاستثمارات فيها، ولم تتركها لحالها، بل بقيت تعبث بمقدّراتها، وتنظر إليها بوصفها حديقتها الخلفية، وفناءها المنزلي، وذلك كله من أجل ضمان استمرار الهيمنة عليها، وإبقائها ضعيفة تابعة ولا تقوى على الصمود الذاتي، وذلك بهدف الحيلولة دون عودتها قوة إسلامية موحدة ومؤثرة، قد تُزيل نفوذها من البلاد الإسلامية، وتُضعف من مكانتها الدولية.
إنّ هذا التدخل المستمر والسافر من قبل الدول الأوروبية في بلدان المسلمين لهو مبرر قوي أمام ما يُسمّى بالمجتمع الدولي لحملها على قبول اللاجئين في الدول الأوروبية، باعتبارها تتحمّل المسؤولية المباشرة عمّا يحلّ بتلك البلدان من نكبات.
فاستقبال البلدان الأوروبية للاجئين المسلمين ليس منّةً ولا منحةً ولا مكرُمةً من قبل أوروبا تجاه الشعوب المسلمة المنكوبة، ولا بالطبع عملاً ذا دوافع إنسانية، وإنّما هو واجب أخلاقي على أوروبا أن تلتزم به لقاء استعمارها الطويل للبلاد الإسلامية، وذلك من وجهة نظر دولية.
على أنّ أوروبا لا شك تخطط للاستفادة من تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين المسلمين إليها من أوجهٍ عدة:
أولاً: أنّها تُدخل دماء شابة إلى قارة عجوز بدت عليها علامات الشيخوخة والهرم، وهي بأمس الحاجة إلى القوة العاملة الفتية، وهو ما يتوفر في هؤلاء اللاجئين الشباب، وقد أعلنت ألمانيا وحدها أنّها بحاجة ماسّة إلى خمسين ألف عامل على الفور لدمجهم في سوق العمل المتعطش للقوى العاملة.
ثانياً: لا يُدفع لهؤلاء أجور عالية كما يُدفع للرعايا الأوروبيين، بل يُدفع لهم أجور متدنية باعتبارهم لاجئين، وهو ما يجعل منهم عمالة رخيصة، تُنعش حركة الإنتاج الأوروبية بتكاليف أقل، لتُنافس المنتجات الآسيوية التي أغرقت الأسواق.
ثالثاً: يُستخدم هذا العدد الكبير من اللاجئين سياسياً كذريعة دولية للتدخل مجدداً في شؤون دول المنطقة الإسلامية.
رابعاً: يُجنّد من هؤلاء اللاجئين المعدمين جيوشٌ من العملاء لخدمة الأغراض الأوروبية الاستعمارية.
خامساً: يتم التأثير على هُويتهم الإسلامية، ومحاولة جرّهم إلى الانغماس في حضارة الغرب المادية العلمانية اللادينية المعادية للإسلام، وإبعادهم عن جعل العقيدة الإسلامية أساساً لحياتهم وطريقة عيشهم.
هذه باختصار هي أهداف استقبال اللاجئين المسلمين في أوروبا، وهي كُلّها أهداف خبيثة تهدم أسس الحياة الإسلامية، بل هي مجرد مصالح استعمارية بحتة للأوروبيين، واستغلال بشع لحالة المهجّرين البائسين الباحثين عن النجاة، للتخلص ممّا هم فيه من وضع مأساوي رهيب، وبالتالي فلا يوجد في دخول هؤلاء المساكين إلى أوروبا أي فائدة للمسلمين.
فأوروبا إذاً وبكل دولها معادية للإسلام والمسلمين، وهي بشرقيها وغربيها تُناصب المسلمين العداء التام، ولا فرق بينها وبين أمريكا، فكل هذه الدول في العداء للإسلام سواء.
وبناء عليه، لا ينبغي أن ينبهر المسلمون بزخرف حضارتها الزائفة، ولا بمعسول كلام بعض قادتها المخادع، فهؤلاء الأوروبيون أعداء تاريخيون لحضارة الإسلام ومفاهيمه وقيمه وتشريعاته، ويسعون جاهدين لطمس معالم الدين الإسلامي وقيادته الفكرية، وضرب نهجه السياسي المتمثل باستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة.
لذلك يتوجب على كل مسلم أن لا يُصدّق أكاذيب هذا الإعلام الأوروبي الفاجر الذي يُزيّن دعاوى الدول الأوروبية عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذه الشعارات تخص النصارى والعلمانيين، ولا علاقة لها بالمسلمين، ولا يُقال إنّ أوروبا تصنع معروفاً للمسلمين باستقبال هؤلاء اللاجئين، فهؤلاء الأوروبيون لا خلاق لهم، ولا ذمّة لهم ولا عهد، وصدق الله سبحانه فيهم بقوله: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ متِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
وبالتالي فلا ينبغي أن تُحلّ مشاكل المسلمين في القارة الأوروبية، ولا يصلح أن يعالج الكفار الحربيون مشاكل البلاد الإسلامية، فعلى المسلمين أن ينزعوا شوكهم بأنفسهم، وأول ما يجب أن يُنزع من شوك، هو هؤلاء الحكام الطواغيت الذين سلّطهم الكفار المستعمرون على المسلمين، وإزالتهم من الحكم، فهؤلاء الحكام هم عملاء مأجورون للكفار الأوروبيين والأمريكيين، قاموا بتمكينهم من رقاب المسلمين، فبإزالتهم وإزالة أنظمتهم الطاغوتية من الوجود فقط يمكن أن يبدأ مشوار النهوض الحقيقي للمسلمين، ولا أمل في أي حلٍ لمشاكل المسلمين مع بقاء هؤلاء الحكام وهذه الأنظمة.
رأيك في الموضوع