(مترجم)
لقد أدى تطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي إلى توقف الاقتصاد الباكستاني بشكل كامل، وقد أدت هذه السياسات الاقتصادية إلى زيادة بؤس أهل باكستان، ولم تستثن العواقب أحداً منهم، سواء أكانت الطبقة المتوسطة أو المتوسطة العليا. وقد أدى تفاقم فخ الديون ومدفوعات الربا إلى شل الصناعات الباكستانية، ما أجبر الحكومات التي تفتقر إلى الرؤية على فرض ضرائب باهظة. وبالتالي، فإن اقتصاد باكستان مهيأ لسداد الديون الخارجية والداخلية، ما يترك مساحة ضئيلة لتمويل النفقات العسكرية وغير العسكرية مثل الصحة والتعليم وتخفيف حدة الفقر. وتبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 72٪.
لقد أجبر انكماش الموارد الاقتصادية القطاع الحكومي في باكستان على إعادة التفكير في إعادة تخصيص الميزانية وإعادة تحديد الأولويات الرئيسية. وقد بدأت عملية إعادة التفكير هذه في عهد باجوا/ عمران واستمرت في عهد نظام عاصم/ شريف. وتحت التوجيه الأمريكي، أعطت سياسة الأمن القومي الباكستانية الجديدة الأولوية للأمن الاقتصادي على الأمن العسكري. وبموجب هذا التفكير الجديد، أعربت باكستان عن نيتها التخلي عن طموحاتها الجيوستراتيجية وتقييد نفسها بالمجال الجيواقتصادي. وتعطي السياسة الأولوية للاستثمارات الأجنبية المباشرة والتحويلات الأجنبية وزيادة الصادرات لكسب الدولارات، لتجنب أزمة العجز المزدوج ومنع التخلف المحتمل عن السداد.
منذ إنشاء برنامج الأمن القومي، كان الجيش في مقعد القيادة لتوجيه "الاستقرار الاقتصادي"، وهو يبتعد عن الهدف العسكري الأساسي المتمثل في الجهاد في سبيل الله. ورغم أن القيادة العسكرية كانت تدير إمبراطوريتها الاقتصادية الخاصة التي تتراوح من قطاع العقارات إلى الزراعة في الماضي، فإن برنامج الأمن القومي الجديد وسع نطاق ولايته ليشمل طيفاً كاملاً من النشاط الاقتصادي.
من الناحية التاريخية، لا يوجد فرق كبير بين القيادات السياسية والعسكرية فيما يتصل بالسياسة الاقتصادية الأوسع نطاقاً. وباستثناء بعض الخلافات الداخلية بشأن نقل الموارد المالية، فإن الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية تظل كما هي في كل من القيادات العسكرية والسياسية، الذين يؤمنون بـ"إجماع ما بعد واشنطن"، والمؤسسات المالية الاستعمارية، والضرائب المرتفعة، والخصخصة. وقد عانى أهل باكستان في كل العصور، وفي كل المجالات، من استنزاف ثرواتهم وانخفاض مستويات المعيشة.
ولكن الفارق الرئيسي الذي ظهر مؤخراً فيما يتصل بالإدارة الاقتصادية يتلخص في الإجماع الجديد؛ النموذج الهجين، ففي هذا النموذج من صنع القرار، تتولى القيادة العسكرية زمام القيادة في صنع السياسات الاقتصادية، في حين توفر لها القيادة السياسية الغطاء السياسي، وتتقاسمان سوية عملية صنع القرار الاقتصادي.
وفي هذا السياق، أنشئ مجلس تيسير الاستثمار الخاص عام 2023، في بداية نظام عاصم/ شريف. وقد شُكّل هذا المجلس، الذي أصبح الآن وزارة كاملة، لجذب الاستثمار الأجنبي في خمسة قطاعات رئيسية، وهي الطاقة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والطيران والزراعة. وينبع التركيز الحالي على الاستثمارات الأجنبية من سياسة الأمن القومي التي تعطي الأولوية للتركيز على شراكات التنمية مع المستثمرين العالميين. وليس من المبالغة أن نطلق على هذا المجلس لقب الحكومة الفعلية، حيث يعرض الوزراء والبيروقراطيون الرئيسيون خططهم لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ثم يحيلونها إلى القيادة العسكرية.
إن الاعتبارات السياسية أصبحت الآن أقل أهمية، وهذا يتعلق بالمصالح السياسية الداخلية للائتلاف الحاكم وخاصة تلك التي يتبناها حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية - نواز شريف. فقد تم إبعاد وزيرين رئيسيين في حكومة هذا الحزب، وهما إسحاق دار وإحسان إقبال عن عملية صنع القرار الاقتصادي. وكان تركيزهما الأساسي منصباً على توفير قدر من الراحة للناس لأغراض انتخابية، وإلا فإن الناس سيتخلصون من حزب نواز شريف أثناء الانتخابات. وقد حرص الجنرال عاصم منير على أن لا يكون الوزيران جزءاً من مؤسسة التمويل الإسلامية الباكستانية. كما حرص على استبعاد وزارة المالية. وتتمثل أولوية نظام عاصم/ شريف في تنفيذ البرنامج الاقتصادي الاستعماري وسياسات الاستثمار في وقت واحد. وفي حين تستفيد الفصائل الحاكمة، تظل باكستان معتمدة على النسور الرأسمالية العالمية.
إن نظام عاصم/ شريف يخطئ في تعريف المشكلة الاقتصادية باعتبارها نقصاً في الدولارات أو احتياطيات الدولار، ويسعى إلى كسب الدولارات من خلال القروض القائمة على الربا من الدائنين الدوليين، والاستثمار الأجنبي المباشر. وبدلاً من ذلك، فهو يغرق باكستان في المزيد من الديون، بينما يزيد من سيطرة الأجانب على الاقتصاد المحلي.
إن الهدف الرئيسي لمؤسسة التمويل الدولية هو تقويض السيادة الاقتصادية لباكستان. فالمعادن والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والطيران والزراعة كلها قطاعات أساسية للدولة القوية. وهذه القطاعات التي تتطلب رأس مال كبيرا معروضة للبيع للمستثمرين الأجانب، بدلاً من أن تشرف الدولة عليها وتعمل على تطويرها بنفسها لصالح الشعب. وهناك بالفعل بعض الاهتمام الواضح بين عملاء الغرب الذين يحكمون دول الخليج بشراء نسبة من الملكية في هذه القطاعات.
هناك خمسة مخاطر بارزة تواجه باكستان نتيجة سعيها إلى تنفيذ الأجندة الاستراتيجية التي تمليها عليها أمريكا في الساحة الاقتصادية:
أولاً: إعادة تركيز الجيش بعيداً عن الهند، ويتمثل في تغيير توجه الجيش الباكستاني، فبفضل موقعه وقوته، كانت باكستان دوماً لاعباً استراتيجياً رئيسياً في المنطقة. ومع ذلك، فهي تركز الآن فقط على ضمان الأمن الاقتصادي، مع التركيز على الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وهذا يتطلب بطبيعة الحال السلام على الحدود وإنهاء الطموحات الإقليمية لتحدي السيطرة الهندوسية في المنطقة.
ثانياً: تمهيد الطريق للتطبيع مع كيان يهود والدولة الهندوسية. فالمستثمرون يسعون إلى تجنب الصراع ويهتمون بالأرباح. وهذا هو التفكير الذي يُروج له داخل الجيش الباكستاني، ويتلخص في أن باكستان لا ينبغي لها أن تسعى للصراع مع أي دولة، وأنها لا بد أن تجتذب الاستثمارات من الجميع، وأنه لا ينبغي لها أن تنضم إلى المعسكرات الدولية. وهذه العقلية يعززها عملاء أمريكا في قيادة الجيش بهدف تخفيف حدة العداء مع الهند، وإيجاد أرضية للتطبيع مع كيان يهود.
ثالثاً: تقليص فعالية الجيش، حيث يتم شغل المناصب الرئيسية في صنع السياسات داخل الجيش بما يسمى بالخبراء الاقتصاديين. كما أن مركز الاستثمار الإسلامي نفسه يضم ضباطاً من الجيش مهمتهم تسهيل الاستثمارات الأجنبية. وهذا من شأنه أن يقسم أولويات الجيش، ويضعف من قدرته على خوض الحرب. وأصبح إطار التكلفة والربا بشكل متزايد يشكل الأساس للقرارات الرئيسية، بدلاً من الفكر الإسلامي الذي يدعو إلى الجهاد في سبيل الله.
رابعا: زيادة المعاناة الاقتصادية للناس، حيث تقدم وعوداً كاذبة بخلق فرص العمل الناتجة عن الاستثمار الأجنبي المباشر لتهدئة غضب الشعب الذي يعاني من الصعوبات الاقتصادية. في الواقع، أدى البرنامج الاقتصادي الاستعماري إلى تدمير الصناعة المحلية وإغراق البلاد أكثر في فخ الديون. وتظل الحقيقة أن الاستثمار الأجنبي المباشر كان له تأثير سلبي على الاقتصاد. لقد أدى استثمار القطاع الخاص في قطاع الطاقة؛ منتجو الطاقة المستقلون سيئو السمعة، إلى إغراق قطاع الطاقة بالديون. الشيء نفسه هو الحال مع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. ويعد مجلس تيسير الاستثمار الخاص بمزيد من الشيء نفسه.
خامساً: خصخصة الأصول الاستراتيجية، إن التركيز الأساسي لخطة نظام عاصم/ شريف الاقتصادية هو خصخصة الأصول الرئيسية: المعادن، وتكنولوجيا المعلومات، والزراعة، والطيران، وقطاع الطاقة. ورغم أن هذا التركيز ليس جديداً، فإن الدفع نحو تحقيقه قوي، نظراً لدعم القيادة العسكرية. وبصرف النظر عن العيوب الاقتصادية الواضحة، فإن خطة الخصخصة ستمكن المستثمرين الأجانب من التأثير على سياستنا الخارجية أيضاً.
يا مسلمي باكستان وقواتهم المسلحة: إن مجلس تسهيل الاستثمار الخاص هو خطة استعمارية لزيادة فقرنا وتقليص قدراتنا العسكرية أمام أعدائنا، ويتم تنفيذها بشكل عدواني على يد عملاء أمريكا في القيادة العسكرية. إن ترك الجهاد لن يزيدنا إلا خزياً وذلاً، قال رسول الله ﷺ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ بِأَذْنَابِ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلّاً لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُم» رواه أبو داود. يجب على كل مسلم أن يطالب أقاربه وأصدقاءه في الجيش بإعطاء نصرتهم لحزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ محمد سلجوق – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع