جدل كبير ما زالت رحاه تدور على مواقع التواصل الإلكتروني بين الدعاة والعلماء والمؤثرين، ويصل صداه أحيانا إلى صفحات وشاشات الإعلام العربية، وذلك حول ضبط المشاعر والتصريحات تجاه الضربات التي لحقت وما تزال بعناصر وقيادات حزب إيران وحرسها الثوري على يد آلة الإجرام المسعورة لكيان يهود ومن ورائه ترسانة الغرب الكافر، وكون إبداء السرور بهلاك قتلة أطفال الشام والعراق ومغتصبي نسائها وسجاني شبابها، هو نوع من شق الصف الذي يجب شرعا في هذا الوقت أن يكون موحدا أمام آلة حرب أمريكا والكيان الغاصب التي لا تفرق صواريخهم بين "سني وشيعي"، وأن الواجب هو تأجيل كل المعارك الداخلية إلى وقت لاحق، بل بلغ القول ببعضهم أن يخير الناس إما أن تكونوا مع إيران ووكلائها مؤيدين بل مطبلين أو أن تكونوا مع أمريكا ويهود... إلخ!
لا شك أن وحدة الصف الداخلي في مواجهة عدو مشترك هي من أهم مقومات النصر المادية والنفسية على مر التاريخ، وأن دخول معركة بمجتمعات متناحرة ومفككة ذات أهداف ومشاعر متباينة تجاه الأحداث جملة أو تفصيلا، هو أمر مؤذن بالهزيمة للجميع، ولذلك تسعى اليوم آلة الإعلام الغربية والعربية العميلة بالتوازي مع إعلام يهود على زيادة الشرخ الداخلي بين مكونات المجتمع في منطقة الحرب الدائرة، أي ما يسمى بالشرق الأوسط، وعليه كان من واجب المفكرين التصدي لهذه الهجمة بطريقة توقف تأثيرها المدمر أو تحد منه ما أمكن.
إلا أن المدقق في الخطاب الوحدوي المنتشر حاليا يجده موجها للضحية من الطرفين فقط، فهو يخاطب مسلمي سوريا ولبنان وأنصار ثورة الشام بأن الوقت اليوم ليس وقت محاسبة على الماضي ولا تشفٍّ بهلاك ظالم، بل هو وقت وحدة الصف في وجه عدو مشترك، أي يخاطب من رقبته تحت السكين منذ عقد أو يزيد ولا يخاطب من يمسك بتلك السكين ليرفعها عن رقبة من يريد توحيد صفه معهم ولو مرحليا.
وعليه نقول بأن الخطاب الصحيح يجب أن يراعي الحقائق التالية:
- إن القتل والتهجير والاغتصاب وتغييب الشباب وراء القضبان، والظلم الواقع على أهل سوريا والعراق ولبنان من نظام إيران ووكلائه، ليس أمرا من الماضي بل هو مستمر حتى هذه اللحظة، فمئات الأخوات العفيفات تنتهك أعراضهن في سجون طاغية الشام بحماية إيران ومليشياتها، وعشرات الآلاف يموتون جوعا في معسكرات سوريا والعراق تحت هيمنة حلف طهران، وملايين المسلمين من سوريا مهجرون اليوم من بيوتهم التي يحتل كثيرا منها بشكل مباشر عناصر مليشيات إيران.
- إن مشروع النظام الإيراني قائم على الهيمنة الإقليمية على المنطقة واستعداء واستعباد أهلها، ولو كان الثمن استباحة دمائهم وتجويع أطفالهم حتى الموت، وما جرى ويجري في سوريا ليس إلا تنفيذا لمنهج مؤصل (فقهاً) عند هذا النظام كما عبر عنه المسؤول الشرعي لحزب إيران اللبناني الشيخ محمد يزبك حين قال: "كن مع المقاومة والممانعة ولا تبك على شعوب تموت هنا وهناك"، وما حرب النظام الإيراني مع كيان يهود أو جداله مع أمريكا إلا في إطار الخلاف على الحصص في المنطقة كما صرح كبار سياسييه مؤخرا.
- إن دعوة وحدة الصف الحالية إن كان المقصود بها الوحدة العسكرية، فإن شعوب المسلمين المخاطبة بها لا تملك زناد سلاح جيوشها وتحتاج إلى استعادة سلطانها بيدها لتحقيق هذه الوحدة، وهو ما حال دونه النظام الإيراني مرارا وما يزال، لأنه يشكل خطرا على مشروعه أكثر مما يساعده في صد كيان يهود. ثم إن ساحة القتال يسيطر عليها فريق إيران ضمن خطط وأهداف لا يصلح عسكريا مشاركتها مع جهات أخرى خاصة عندما تختلف معها في الهدف القريب والبعيد من هذا القتال، وخاصة بعد الاختراقات الأمنية الهائلة في صفوف حزب إيران اللبناني والتي لا يعلم عمقها بعد، ولذا يبقى المضمون المتاح عمليا في الوضع الحالي من وحدة الصف هو الوحدة المعنوية والنفسية وهي قد تتجلى في أمرين:
الأول: احتضان النازحين من أنصار حزب إيران في لبنان وسوريا وإيواؤهم، وهو ما تم فعلا وبشكل شعبي تلقائي خيب ظنون كيان يهود وأمريكا الذين راهنوا على نبذ المظلومين على يد إيران للاجئين من حاضنة حزبها، وعليه فهذا القسم من وحدة الصف قد تحقق وصار وراء ظهورنا بفضل الله وحده.
الثاني: وحدة المشاعر والتضامن الإعلامي وترك التشفي بهلاك من قاتل مع أمريكا وروسيا وصلبانهما ضد أمة الإسلام وما زال، وهذا المطلب لكي يتحقق لا بد من توجيهه بشكل صحيح وللجهة المعنية التي تستطيع أن تقدم شيئا عمليا بخصوصه ألا وهي إيران ووكلاؤها.
أيها المسلمون: أيها المصلحون الحريصون على وحدة الصف في وجه يهود وأمريكا كي لا يؤكل الثور الأبيض والأسود ومن وراءهما، إنكم إن وجهتم خطابكم مرة لمن رقبته تحت السكين بضرورة وحدة الصف وتأجيل المحاسبة (التي لا يقدر على شيء منها الآن)، فعليكم في المقابل أن توجهوه مئة مرة لإيران وحلفها بأن يرفعوا سكينهم عن رقاب المسلمين، فيخرجوا فورا من سوريا ليرجع أهلها المشردون إلى بيوتهم، وأن يرفعوا الغطاء عن نظام بشار القاتل ويخلوا بينه وبين شعبه ليسترد منه سلطانه، وأن يفكوا أسر شباب المسلمين من سجون سوريا والعراق ولبنان، وأن تعلن إيران - ولو من باب التقية - ندمها على جرائمها وعزمها إصلاح ما كان منها لاحقا، وأن تتخلى عن مشروعها العنصري الممزق لشمل الأمة المستبيح لبيضتها ودمائها، وأن تحاول فتح صفحة جديدة بيضاء مع محيطها من الشعوب المسلمة، وأن تعلن استعدادها للانخراط بمشروع الأمة القائم على استرداد المسلمين لسلطانهم من الحكام الطواغيت وتوحيد الكلمة على دولة الإسلام وحكم الإسلام وعقيدة الإسلام لا غير.
نعم، إن هذا المطلب ليس بالأمر الهين اليسير، وهو يعني بالضرورة إلغاء المشروع الإيراني برمته، وهو خطاب قد يراه البعض طلبا للمستحيل، وأن حكام إيران ربما يفضلون الحلف مع يهود وأمريكا على أن يكون ما ندعوهم إليه، ولكنه الخطاب الوحيد الذي قد يجمع الشمل ويوحد الصف حقيقة لا وهماً.
أما التركيز على مخاطبة من رقبته تحت سكين إيران من جهة وسيف كيان يهود من جهة أخرى، ولا يملك إلا أن يختار بين من سيذبحه ثم يسترق أبناءه، وهل يحب أن يهدم بيته بصاروخ بركان أم بقنبلة mk84 فهذا خطاب عقيم خارج نطاق التأثير الفكري، وهو كما يقول المثل الشعبي (تغميس خارج الصحن)!
بقلم: الشيخ عدنان مزيان
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رأيك في الموضوع