في خطوة استراتيجية لتعزيز نفوذ أمريكا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، استضاف رئيسها جو بايدن حكام أستراليا والهند واليابان لحضور قمة رباعية سنوية في مسقط رأسه في ويلمنجتون في ولاية ديلاوير، وهذا الاجتماع هو آخر اجتماع لبايدن كرئيس ويؤكد على تصميمه على مواجهة صعود الصين ونقل سياسة مواجهة الصين الحازمة إلى الإدارة القادمة، كما يسلّط تأسيس المجموعة "الرباعية" ثنائية الحزبية في الكونجرس الأمريكي الضوء على التزام أمريكا الدائم بهذا التحالف، ما يشير إلى أن الرباعية ستظل ركيزة أساسية للسياسة الخارجية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بغض النظر عن فوز هاريس أو ترامب في الرئاسة الأمريكية.
إن الرباعية، المعروفة رسمياً باسم الحوار الأمني الرباعي، هي حجر الزاوية في السياسة الخارجية لبايدن منذ عام 2017. وخلال فترة رئاسته، تمت ترقية التحالف إلى إجراء اجتماعات على مستوى القادة، ما يعكس أهميته في الحفاظ على تفوق أمريكا في آسيا. وبالتالي، لم يكن من المستغرب أن نرى بايدن في القمة وهو يحذّر من خطر الصين، حيث صرح بايدن علناً بالقول "تستمر الصين في التصرف بعدوانية، وتختبرنا في جميع أنحاء المنطقة"، وسلّط الضوء على التوترات في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي ومضيق تايوان، مؤكداً على النطاق الواسع للتحديات التي تفرضها تصرفات الصين. وعلاوة على ذلك، كان بايدن حريصاً على التأكيد على العمر الافتراضي الطويل للرباعية، فقال "إنه هنا ليبقى". وهذا يعني أنه بغض النظر عن مدى قوة اعتراض الصين، فإنه يريد إرسال رسالة واضحة إلى بكين مفادها أن الانتقال في القيادة في كل من أمريكا واليابان لن يؤثر على الإرادة السياسية للتحالف. وقد اتهمت وسائل الإعلام الصينية المجموعة بتبني استراتيجية "فرّق تسد". ومع ذلك، فقد تجاهل قادة الرباعية هذه الانتقادات وأكدوا بشكل روتيني أن شراكتهم ليست موجهة ضد أي دولة بعينها بل تهدف إلى تعزيز "منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة".
ومع ذلك، فإن الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الأقوال، فقد كشفت القمة الرباعية عن تدابير عدة تهدف إلى تعزيز القدرة الجماعية للتحالف على معالجة القوة العسكرية المتنامية للصين وطموحاتها التوسعية. وتشمل هذه المبادرات تحسين التعاون الأمني البحري، وإطار عمل جديد للتعاون في مجال خفر السواحل، وقدرات أفضل للمساعدة الإنسانية، وتم تصميم مثل هذه التدابير لتعزيز قدرة الرباعية على معالجة أي عدوان صيني متصور. وعلى النقيض من ذلك، ترى الصين الجهود الرامية إلى التحرر من القيود المستوحاة من أمريكا لسلاسل الجزر الأولى والثانية، ووجود قوي في المحيط الهندي كأفعال مشروعة تهدف إلى حماية طرق التجارة البحرية من أفريقيا والشرق الأوسط إلى شواطئ الصين، ولا ينبغي النظر إليها على أنها عدوان يستهدف أي دولة.
وبالنسبة لأمريكا، فإن التحالفات مثل "الرباعية" و"مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية"، تشير إلى نهج ذكي في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تعمل هذه التحالفات خارج الهياكل الأمنية والمالية والتجارية التقليدية المتجذرة في مؤسسات بريتون وودز مثل الأمم المتحدة والبنك وصندوق النقد الدوليين. إنها تعكس رغبة أمريكا في تشكيل تحالفات أكثر مرونة ومصممة خصيصاً لمعالجة التحديات الإقليمية المحددة، خاصة تلك التي يفرضها صعود الصين. وعلى سبيل المثال، تمكّن "مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية" أمريكا وحلفاءها من التنافس مع مبادرة الحزام والطريق الواحد الصينية على قدم المساواة إلى حد ما. وبالإضافة إلى ذلك، عززت مثل هذه التحالفات أيضاً قدرة أعضاء الرباعية على اتخاذ إجراءات مباشرة ضد صعود الصين. وعلى سبيل المثال، تم تصميم استراتيجية "قلادة الماس" الهندية لمواجهة الوجود الصيني في المحيط الهندي. وبالمثل، استخدمت اليابان شراكة "المحيطين الهندي والهادئ للوعي بالمجال البحري" التابعة للرباعية لزيادة حزمها ضد الصين. وفي عام 2022، تبنّت طوكيو استراتيجية دفاعية جديدة، والتي كانت بمثابة انحراف واضح عن مقدار القوة التي يمكن لليابان استخدامها ضد منافسيها.
وباختصار، شهدت رئاسة بايدن جهوداً متضافرة لإعادة تموضع أمريكا كدولة رائدة في العالم، خاصة بعد كارثة سنوات بوش. ونجح بايدن في إيقاع روسيا وأوروبا في صراع مطول في أوكرانيا، ما زاد من اعتماد أوروبا على أمن أمريكا وتآكل قوة روسيا. ومع ذلك، فشل بايدن في تحقيق أي تقدم كبير بشأن الصين بسبب الحرب في غزة التي استنزفت الموارد الثمينة والاهتمام بها. وبالتالي، ومع اقتراب رئاسة بايدن من نهايتها، يبقى أن نرى ما إذا كانت الإدارة القادمة قادرة على البناء على جهود بايدن لاستخدام الرباعية بفعالية كثقل موازن دائم لقوة الصين المتنامية.
ومع ذلك، بالنسبة للمسلم الواعي، فقد تخلى الغرب منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 عن جميع قيمه مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي من خلال الانحياز الأعمى إلى الجرائم التي لا يمكن تبريرها لكيان يهود، وحتى التكنولوجيا الغربية (المعدات العسكرية والطائرات بدون طيار والقنابل وأجهزة النداء والهواتف المحمولة وما إلى ذلك) لم تُدّخر من ملاحقة القتل الوحشي والإبادة الجماعية لأهل فلسطين والآن في لبنان. وبما أن أمريكا هي الشريك الأول في الجريمة مع كيان يهود، فقد تهاوت مصداقيتها وشرعيتها إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بين منافسيها (الصين وروسيا والأمة الإسلامية) وحلفائها (أوروبا والرباعية).
إن حلفاء أمريكا ومنافسيها، وحتى حكام بلاد المسلمين العملاء، لا يتعاونون معها إلا بدافع الخوف. وهذا يعني أن النظام الدولي الذي يبدو أن كفته تميل لصالح أمريكا هو في الواقع ضعيف ومكسور بسبب الانقسامات وعدم الثقة، وهذا يعني أن هذا هو الوقت الأكثر ملاءمة لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، الأمر الذي سيجعل هذه القوى العظمى تقاتل بعضها بعضا ثم تحل محل أمريكا كزعيمة للعالم.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع