في مدينة غازي عنتاب التركية، عُقِدَ يوم الثلاثاء الفائت 3/9/2024م، اجتماعٌ موسَّع ضمَّ "الحكومة السورية المؤقتة" و"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" و"هيئة التفاوض" و"مجلس القبائل والعشائر" وقادة "الجيش الوطني السوري"، تم خلاله "مناقشة الواقع السوري وسبل تذليل التحديات التي تواجهه"، وذلك حسب البيان الختامي لهذا الاجتماع الذي نشرته مواقع "الحكومة السورية المؤقتة" المُصنَّعة.
وقد تضمن البيان المواضيع الرئيسية التي تمت مناقشتها في الاجتماع إضافة إلى عدد من التوصيات، كدعم الجيش الوطني والحكومة المؤقتة وتوحيد الفصائل وتعزيز التواصل بين الائتلاف الوطني والقاعدة الشعبية وزيادة وجوده الفعلي على الأرض. كما أكد المشاركون على "الدور المحوري الذي لعبته تركيا وقطر الشقيقة في مكافحة الإرهاب".
ويأتي هذا البيان بعد أيام قليلة من لقاء مدير منصة سوريا الإقليمية الأمريكي نيكولاس غرانجر مع رئيس هيئة التفاوض السورية د. بدر جاموس ورئيس الائتلاف الوطني هادي البحرة ومن قبل ذلك مع رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، لمناقشة استراتيجيات الضغط من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وتحقيق حل سياسي شامل!
بدايةً، إن مجرد عقد هذا الاجتماع في تركيا، وكرِ التآمر على الثورة وأهلها، يؤكد أن هؤلاء ليسوا إلا مجرد أدوات رخيصة يسخِّرها النظام التركي ويوجهها حيث يشاء، لتنفيذ الأوامر الأمريكية في إنهاء الحالة الثورية على أرض الشام وتهيئة الأجواء لإخضاع أهل الثورة والتضحيات للحلول الاستسلامية، والانخراط في قطار التصالح والتطبيع الذي يقوده النظام التركي عراب المصالحات مع نظام البراميل والكيماوي، حيث تتلاحق تصريحات الساسة الأتراك لإعادة العلاقة مع نظام الطاغية بشار كما كانت ولدفع أهل الشام بالاتجاه ذاته.
إن هوية الثورة هي أهدافها ومرجعيتها وثوابتها المنبثقة من صميم عقيدة أهلها، ومن يحيد عن هذه الثوابت فليس بممثل للثورة ولا ينبغي له أن يكون ممثلاً لها، إنما يصبح أداة بيد أعدائها المتربصين بها، فمضمون البيان الصادر عن الاجتماع يؤكد انفصام كل الكيانات التي تم ذكرها عن واقع الثورة وثوابتها وعن أهلها ومطالبهم. نعم، ساقطٌ كل من يتنكر لثوابت الثورة بفعل أو بتصريح مهما رفع من شعارات وتفنن في الخطابات وزعم أنه للثورة حافظ أمين.
لقد كان تركيز البيان منصبّاً على إنعاش هذه الكيانات الساقطة والمنبوذة شعبياً وتسويقها وتثبيتها لتكمل دورها الوظيفي الذي يرسمه "المعلم" لفرملة الثورة وتأهيل أهلها تدريجياً لمرحلة التسليم والعودة لحضن النظام وبطشه، فغاب أي ذكرٍ لفتح الجبهات التي يطالب بها مخلصو الثوار، وغاب أي ذكرٍ لإسقاط النظام، ولا غرابة، إذ لم يعد ذلك في قاموسهم، هذا إن كان يوماً، وبدلاً من ذلك كان الشكر موصولاً للنظام التركي والقطري، المتآمرين على ثورتنا، لجهودهما في (مكافحة الإرهاب)! والإرهابي بنظرهم ونظر أسيادهم هو كل ثائر حر يعمل مع العاملين لإسقاط أنظمة الضرار وتحكيم الإسلام في ظل كيان ودولة.
إن المتتبع للأحداث يدرك أن أهم مواضيع الاجتماع هو ما ذكره البند السادس الذي نص على "مناقشة أهمية معبر أبو الزندين كمعبر حيوي إنساني واقتصادي يؤثر إيجاباً على الوضع الاقتصادي والإنساني في المنطقة. وأكد المشاركون أن هذا المعبر ليس له أية علاقة بأي من ملفات التطبيع مع النظام، بل هو خطوة تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية وتسهيل الحركة التجارية والإنسانية في المناطق المحررة".
حيث يأتي هذا الاجتماع بعد سلسلة محاولات لفتح معبر أبو الزندين، يقابلها رفض شعبي واسع له تجلى على الأرض عبر حراك مستمر ومظاهرات حاشدة ونصب خيام اعتصام ضد هذه الجريمة التي هي مقدمة عملية للتصالح والتطبيع مع نظام مجرم سفك الدماء وهتك الأعراض وشرد الناس في مشارق الأرض ومغاربها.
إنّ فتح المعابر لا علاقة له على الإطلاق بأي جانب اقتصادي أو إنساني أو تحسين لأوضاع الناس المعيشية كما زعم البيان، فهذا آخر ما يفكر به المتآمرون، إنما القضية سياسية بامتياز، لإخضاع الثائرين للحلول الاستسلامية عبر الألاعيب السياسية بعد فشل المعارك العسكرية، علاوة على ما يعنيه فتح المعبر من شرعنة للنظام وإعطاء قبلة حياة له ولاقتصاده المتهالك.
وإنه من الطبيعي في حالة الحرب ألا تكون هناك علاقات اقتصادية بين المتقاتلين، فلا لقاء بين الحق والباطل ولا التقاء منتصف الطريق، فأنصاف الثورات قاتلة وأنصاف الحلول مرفوضة. فثورتنا مبدئية، لا مطلبية لتحسين شروط العبودية. فقد حرقنا كل المراكب وبات تطلعنا لحل جذري يكافئ التضحيات.
فقد كان مجرد الجلوس على طاولة التفاوض مع نظام الطاغية بداية الثورة جريمة تفضح صاحبها على رؤوس الأشهاد وتعتبره خائناً للثورة والدين ودماء الشهداء، فما الذي تغير؟!
إن الحكومة المؤقتة (المصنّعة) متناقضة في تصريحاتها، فبعد أن كان فتح المعابر بنظرها على لسان وزير اقتصادها عام 2021م "جريمة يعاقب فاعلها"، أصبحت عام 2024م مصلحة "اقتصادية وإنسانية"!
فهل يؤتمن أمثال هؤلاء على ثورة ودين وأرض وعرض؟! ألم يحذر وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة (المصنّعة) الدكتور عبد الحكيم المصري من خطر افتتاح المنافذ الحدودية مع النظام المجرم عام 2021م؟!
ألم يحذر من إدخال المخدرات للشمال السوري، ويصرح هو نفسه بالقول: "إن خطورة افتتاح المنافذ الحدودية مع النظام المجرم كثيرة منها تسهيل دخول الإرهابيين عملاء النظام والمليشيات المعادية لتنفيذ أعمال إرهابية لزعزعة استقرار المنطقة المحررة، والعمل على تسهيل تهجير المواطنين من مناطقهم باتجاه المناطق المحررة وهجرتها لتفريغ المنطقة من سكانها الأصليين والاستيلاء عليها بحجج كثيرة وبالتالي تسهيل عملية التغيير الديموغرافي"؟!
ألم يقل هو نفسه: إن من أخطار فتح المعابر "المساهمة في إنعاش اقتصاد النظام المشلول وتحسينه قبل الانتخابات غير الشرعية، وإدخال الدولار المجمّد وهو أخطر من المزور،... وإدخال الحشيش والمخدرات المصدر الوحيد لتأمين العملة الصعبة للنظام، وتهريب العملة الصعبة لمناطق النظام الذي لا يملك العملة الصعبة فهو غير قادر على استيراد المواد الأساسية لذلك سيقوم بتأمينها عن طريق المناطق المحررة مقابل عملته المنتهية وبالتالي يأخذ الإنتاج مقابل ورق بنكنوت لا قيمة له، كما سيعرض المنطقة لخطر عقوبات قانون حماية المدنيين (قيصر)، وارتفاع الأسعار بالمناطق المحررة بشكل كبير، وسيستفيد النظام أيضاً من الرسوم على السيارات، وسيصدّر إلى مناطق الشمال البضائع الفائضة عن حاجته، والأرباح التي سيجنيها عدد محدود من "تجار الحروب" إثر فتح المعابر سيدفعها الناس، إذ سيدفعون الضرائب التي سيفرضها المسؤولون عن فتح تلك المعابر"؟!
ألم يصرح بشكل واضح لا لبس فيه أن "النظام باعتباره يعرف ماذا يريد من المعابر، فسيستفيد بشكل أكبر حكماً"؟!
لقد آن لأهل الثورة أن يعملوا جاهدين لرفع الوصاية التركية عن ثورتنا، ونبذ النظام التركي كقيادة سياسية تمكر بنا، وإسقاط القادة المرتبطين الذين لا يعصون للمعلم أمراً، والعمل لاستعادة القرار السياسي والعسكري للثورة وتوسيد الأمر لأهله، وحشد الجهود المخلصة خلف قيادة سياسية واعية ومخلصة تحمل مشروع خلاصنا الوحيد، تعرف ما تريد وكيف تصل إليه، لزلزلة عرش النظام في عقر داره وإسقاط حكمه المتهالك، وتتويج التضحيات بخلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة آن أوانها وأطل زمانها بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع