في الأول من حزيران/يونيو 2024م، أدلى الناخبون في الهند بأصواتهم في المرحلة الأخيرة من الانتخابات العامة في البلاد، والتي بدأت في 19 من نيسان/أبريل 2024م. مودي هو رئيس الوزراء الحالي لحكومة التحالف الوطني الديمقراطي، التي يقودها حزبه؛ حزب بهاراتيا جاناتا، أما المعارضة فتتمثل في التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل، الذي يقوده أكبر حزب معارض في الهند؛ حزب المؤتمر الوطني الهندي، الذي استولى على الحكم وهيمن على الساحة السياسية لعقود مضت، قبل صعود حزب بهاراتيا جاناتا.
إن الحملة الانتخابية لمودي قائمة على تأجيج الكراهية الدينية ضد المسلمين، ولطالما كانت هذه سياسة مودي خلال مسيرته السياسية، فهو من أشرف على ذبح أكثر من ألفي مسلم في جوجرات عندما كان رئيساً للوزراء فيها عام 2002م، وقد أكّد وقتها وفي ذروة المذبحة، في الأول من آذار/مارس، على أن "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه"، وفي وقت لاحق، أشرف بصفته رئيساً لوزراء الهند على تدمير المساجد وهدم منازل المسلمين، وقاد هجمات البلطجية على التجمعات الإسلامية.
يستخدم حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي خطاب الكراهية وإثارة النعرات لتورية الفجوة الهائلة بين الفقراء والأغنياء في الهند، ففي دراسة بحثية صدرت بتاريخ 12 من آذار/مارس 2024م بعنوان "عدم المساواة في الدخل والثروة في الهند بين عام 1922-2023م: صعود الملياردير راج"، تمت الإشارة إلى أن عدم المساواة "بدأ في الارتفاع بشكل كبير منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبحلول عام 2022-2023م سترتفع حصة الدخل لأعلى 1% من السكان إلى 22.6%، وحصتهم في الثروة إلى 40.1%، عند أعلى مستوياتها التاريخية، وتعدّ حصة الدخل الأعلى في الهند البالغة 1% من بين أعلى المعدلات في العالم. كما جاء في مؤشر الجوع العالمي لعام 2023م أن "الهند تحتل المرتبة 111 من بين 125 دولة لديها بيانات كافية لحساب درجة مؤشر الجوع العالمي لعام 2023م، ومع حصول الهند على 28.7 درجة في مؤشر الجوع العالمي لعام 2023م، فإن الهند لديها مستوى خطير من الجوع".
رغم أن تحالف المعارضة يعوّل في فوزه على فشل مودي في التعامل مع الفقر، واضطهاده للإثنيات الصغيرة، إلا أن فرصته لا تزال ضعيفة، فإلى جانب سياساته التحريضية، يتمتع مودي بدعم وتأييد خارجي كامل من الولايات المتحدة، في موقف يشابه موقفها مع نتنياهو، حيث تتوقف إدارة بايدن عند حد "إدانة" القمع للإثنيات الصغيرة، بينما تعطي مجالاً واسعاً لمودي لمواصلة حربه على المسلمين. وفي 20 من أيار/مايو 2024م، عندما سُئل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مارك ميللر، عن تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز بعنوان: "غرباء في ديارهم: معنى أن تكون مسلما في الهند التي يحكمها مودي"، والتي تصف كيف يحاول المسلمون تربية أطفالهم في ظل الخوف، أجاب قائلاً: "لقد وجّهنا العديد من البلدان - بما فيها الهند - بشأن أهمية المعاملة المتساوية لأتباع جميع الطوائف الدينية".
من المؤكد أن مودي قد حصل على دعم الأمريكيين مقابل تأمينه للمصالح الأمريكية الرئيسية في المنطقة، فعلى الرغم من الفقر المدقع الذي تعاني منه الهند وافتقارها إلى التماسك المجتمعي، فقد دفع مودي بها إلى مواجهة مكلفة مع الصين، من أجل تأمين المصلحة الأمريكية في احتواء الصين ومواجهتها، وتماشياً مع السياسة الأمريكية، وبالتنسيق مع عملاء أمريكا داخل القيادة الباكستانية، يعمل مودي بنشاط على تشكيل كتلة سياسية إقليمية ضد الصين، تكون الهند رئيسة لها وباكستان دولة ثانوية تابعة. من جانبهم، يعمل حكام باكستان يداً بيد مع مودي، على الرغم من الحرب الكلامية الدائرة بينهم علناً، فقد قام حكام باكستان بكبح جماح القوات المسلحة الباكستانية عندما ضم مودي كشمير المحتلة بالقوة في آب/أغسطس 2019م، حتى إنهم أعلنوا أن الجهاد خيانة، وطعنوا مجاهدي كشمير في الظهر، ومنحوا جيش الدولة الهندوسية الجبان الأمان الذي كان في أمسّ الحاجة إليه، بل ومنحوه الطمأنينة التامة بإشغال الجيش الباكستاني في حرب طويلة مع المسلمين في المناطق القبلية التي تتقاسمها باكستان وأفغانستان. ومن المتوقع بعد الانتخابات أن يعزّز العميل الأمريكي مودي مع عملاء أمريكا في باكستان العلاقاتِ الاقتصادية في ظل عملية التطبيع.
أيّها المسلمون في باكستان وأفغانستان والهند وكشمير! يجب علينا إيقاف طغيان مودي وإحباط الخطة الأمريكية لقمع المسلمين والإسلام. يجب علينا ألّا نتهاون في ديننا، فنفرّط في حرماتنا ونفسح المجال لأهل الباطل والضلال ليطغوا، نحن أمة كريمة ورثت إرثاً عظيماً، هو إرث إسلامي بدأ في زمن الخلافة الراشدة، وبلغ ذروته بهيمنة الإسلام على شبه القارة الهندية. ففي عصر الحكم الإسلامي، بلغت حصة شبه القارة الهندية من الاقتصاد العالمي 23 في المائة، أي ما يعادل حصة أوروبا بأكملها مجتمعة اليوم، وارتفعت إلى 27 في المائة في عام 1700م، في زمن أورنجزيب ألامجير، وقد حقق الحكم الإسلامي الرخاء والأمن لسكان المنطقة، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم... ما أكسبه ولاءهم، بمن فيهم الهندوس. لقد كان العصر الإسلامي عصراً ذهبياً أشرق بنوره على بقية العالم، فلفت الانتباه غير المرغوب به من جانب القوى الاستعمارية الجشعة، التي زرعت بذور الانقسام الطائفي وفق سياسة "فرق تسد". لذا، دعونا نعمل جميعاً بجد لإقامة الخلافة على منهاج النبوة حتى تتمكن شبه القارة الهندية من النهوض مرة أخرى في ظل دين الرحمة، الإسلام.
بقلم: الأستاذ مصعب عمير – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع