يتصاعد التنافس السعودي الإماراتي بشكلٍ لافت على جميع الأصعدة، بحيث لم يعد بالإمكان إخفاء درجة حِدّته أو علانيته، فاختلاف المصالح بين الدولتين لا يقتصر على الجانب السياسي المُتمّثّل في اختلاف التبعية الدولية، بحيث تتبع الإمارات للسياسات الخارجية البريطانية، بل وتُعتبر المكّوك السياسي لبريطانيا في المنطقة، بينما تتبع السعودية السياسات الخارجية الأمريكية، وتسير وفقاً لِمُتطلّباتها. نعم لا يقتصر الاختلاف بينهما على السياسات الخارجية لأمريكا وبريطانيا، بل إنّ اختلاف المصالح بينهما يتعدّى ذلك ليشمل النواحي الاقتصادية والنفطية والتجارية والسياحية والحدودية والشخصية.
وقد برزت مؤخراً مُشكلة التنازع على السيادة في منطقة الياسات البحرية، إذ تؤكّد الإمارات مجدداً سيادتها على تلك المنطقة، وذلك خلال رسالة بعثتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة رداً على اعتراض السعودية على إعلان الإمارات أنّ المنطقة هي محمية بحرية لها. وجاء في الرسالة الإماراتية أن الياسات تقع ضمن المياه الإقليمية لدولة الإمارات، وأنها لا تعترف بأي مناطق بحرية أو حقوق سيادية أو ولاية بعد خط الوسط الفاصل بين البحر الإقليمي لدولة الإمارات والبحر الإقليمي للسعودية المقابل لمحافظة العديد. وتأتي هذه الرسالة بعد أن أعلنت السعودية رفضها لإعلان الإمارات الياسات منطقة بحرية محمية، معتبرةً ذلك بأنّه يتعارض مع القانون الدولي.
وتعود جذور الخلاف حول منطقة الياسات إلى اتفاقية جدة الموقعة عام 1974، التي حدّدت الحدود بين الدولتين، ويرتبط الخلاف بنزاع تاريخي على منطقة البريمي التي تضم الياسات، وكان قد تمّ حلّ هذا النزاع جزئياً باتفاقية جدة عام 1974 لكن بقيت بعض المناطق بما فيها الياسات موضع خلاف وذلك كعادة الاستعمار في إبقاء نقاط خلاف حدودية يصعب على الدول المُتنازعة حلها. وتقع الياسات بالقرب من حقول نفطية بحرية، ما يجعلها منطقة ذات أهمية اقتصادية كبيرة لكل من الإمارات والسعودية، ومنطقة الياسات البحرية هذه تضم 4 جزر مع المياه المحيطة بها، وتقع في أقصى جنوب غرب أبو ظبي.
وتتزايد حدة التنافس بين الإمارات والسعودية على النفوذ الإقليمي في السنوات الأخيرة بسبب اختلاف تبعيتهما السياسية الدولية.
وكان هذا النزاع ساكناً مُنذ إعلان الإمارات أنّ منطقة الياسات هي منطقة بحرية محمية في العام 2005، وذلك بسبب سكوت السعودية على ذلك الإعلان لمدة تسعة عشر عاماً إلى أنْ أعلنت مؤخراً رفضها لإعلان الإمارات إذاك، وقامت بإرسال رسالة إلى الأمم المتحدة تعترض فيها عليه في آذار/مارس من هذا العام الجاري 2024 صادرة من وزارة الخارجية السعودية وموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بأنّها لا تعتد ولا تعترف بأي أثر قانوني لإعلان الإمارات أنّ الياسات منطقة بحرية محمية، وذلك بحسب المرسوم الأميري رقم 4 الصادر عام 2019، وأنّ السعودية لا تعترف بأي إجراءات أو ممارسات يتم اتخاذها أو ما يترتب عليها من قبل حكومة الإمارات في المنطقة البحرية قبالة الساحل السعودي، وأضافت أنّ: "السعودية تتمسك بكافة حقوقها ومصالحها وفقا لاتفاقية الحدود المُبرمة بين الدولتين في 21 آب/أغسطس 1974 الملزمة للطرفين وفقا للقانون الدولي العام"، وذلك بحسب المذكرة التي تعتبرها الحكومة السعودية وثيقة رسمية، وطالبت الأمم المتحدة بتعميمها.
وردّت الإمارات على مُذكرة السعودية بإرسال رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تؤكد فيها سيادتها على الياسات وترد على اعتراض السعودية، وجاء فيها أنّها: "لا تعترف للسعودية بأي مناطق بحرية أو حقوق سيادية أو ولاية بعد خط الوسط الفاصل بين البحر الإقليمي لدولة الإمارات والبحر الإقليمي للسعودية المقابل لمحافظة العديد".
وليست هذه المحمية هي الخلاف الحدودي الوحيد بين الدولتين، بل هناك أيضاً حقل الشيبة النفطي الضخم التي تستحوذ عليه السعودية وتحرم الإمارات من الاستفادة منه بأي منفعة تُذكر.
وقد أدّت هذه النزاعات الحدودية المُزمنة بين الدولتين إلى تفاقم الصراع السياسي بينهما، بحيث أصبح الصراع السياسي الذي كان يبدو صامتاً بينهما على النفوذ، وعلى المصالح، علنياً ولا يمكن إخفاؤه، وأضحت التفاهمات والتوافقات المرحلية بينهما عُرضةً للزوال. وما يزيد الطين بلة في هذا النزاع بالنسبة للإمارات هو دخول السعودية على خط الإمارات في المجالات السياحية والترفيهية واستقطاب الأجانب ونشر الفجور والرذيلة وإحياء المهرجانات التافهة وبناء مدن الفساد والدعارة كنيوم والعلا والسماح بشرب الخمور ولعب القمار وممارسة شتى الرذائل وهو ما كان في السابق حكراً على الإمارات.
وكل هذا التنافس بينهما يُعتبر امتداداً للصراع السياسي الإقليمي على مناطق النفوذ الأمريكي والبريطاني، فمثلاً في اليمن تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الانفصالي في عدن، وتسعى إلى تكريس الانقسام بين شمالي اليمن وجنوبه، وتسيطر على جزيرة سقطرى، وتتخذ منها قاعدة للتآمر على اليمن والمنطقة، وتُعطّل سياسات المُصالحة بين اليمنيين التي تنتهجها السعودية بأمرٍ من الأمريكيين لتمكين الحوثيين، ولمحاولة السيطرة على جميع القوى السياسية اليمنية الفاعلة.
وفي السودان تدعم الإمارات قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في الصراع المسلح ضد الجيش السوداني بقيادة الرئيس السوداني عبد الفتاح البرهان الذي تدعمه السعودية.
وفي المجال المالي اعترضت الإمارات على اقتراح استضافة الرياض لمقر البنك المركزي لمجلس التعاون الخليجي، وانسحبت من اتفاق الوحدة النقدية الخليجية، وهو ما أدّى إلى تعطيل مشروع إصدار عملية خليجية موحدة وبنك مركزي تابع للمجلس، وأفشلت بذلك هيمنة السعودية على المجلس مالياً واقتصادياً وسياسياً.
ولقد بدأت الإمارات تشعر فعلياً بضغط المنافسة التجارية والاقتصادية السعودية عليها من خلال ضغط السعودية على الشركات والوكالات العالمية لنقل أعمالها إلى الرياض بدلا من دبي، خاصة بعد تبنّي السعودية لسياسة الانفتاح وتشجيع النشاطات والفعاليات الفنية والرياضة والترفيهية واستقطابها، وفي ذلك تحدٍ واضح لموقع ومكانة الإمارات ودورها في هذا المجال.
وفي المجال النفطي فإنّ الدول المصدرة للبترول (أوبك) قامت بإيعاز من السعودية بخفض إنتاج النفط العالمي، ورفضت الإمارات ذلك التخفيض بشدة، وطالبت بزيادة حجم صادرات النفط، لا سيما صادراتها لكنها لم تنجح.
وهكذا أصبحت الإمارات تقف دوماً في الجهة المُقابلة للجهة التي تقف فيها السعودية لا لشيء إلا من أجل إضعافها، واستنزاف قوتها، وإزاحتها عن مواقع القوة والتأثير.
إنّ هذه الدول الخليجية العميلة لا تقوم في الواقع بأية أعمال مُفيدة للأمّة، فهي إمّا أنْ تخدم مصالح أسيادها الأمريكيين والبريطانيين والغربيين عموماً، والكفار بشكلٍ أعم، وإمّا أنْ تتناكف وتتنافس وتتصارع على الفتات الذي يسمح به أسيادها لتمزيق الأمّة وإضعافها، ولمنع وحدتها ونهضتها.
رأيك في الموضوع