تعمل القوى الكبرى اليوم بدأب على دفع طالبان أفغانستان للانخراط في النظام العالمي الحالي، ما ينذر بتهديد جديد على الأمة الإسلامية، باستهداف مقبرة الغزاة والإمبراطوريات، أفغانستان.
بالنسبة للولايات المتحدة، فقد ذكرت إذاعة صوت أمريكا في الأول من شباط/فبراير 2024م أن "الولايات المتحدة تدرس إمكانية وصول القنصل إلى أفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان"، وفقاً لوثيقة استراتيجية صدرت حديثاً عن وزارة الخارجية، تحت عنوان "استراتيجية الدولة المتكاملة"، والتي تنص على أنه "يجب على الولايات المتحدة بناء علاقات وظيفية تعمل على تحقيق أهدافها".
أما بالنسبة للصين، فهي أول قوة كبرى تبدأ علاقات دبلوماسية رسمية مع أفغانستان طالبان، حيث إنها صاحبة المصالح الأبرز داخل المنطقة، وأفادت وزارة الخارجية لإمارة أفغانستان في 8 من شباط/فبراير 2024م "قبول رئيس جمهورية الصين الشعبية السيد شي جين بينغ أوراقَ اعتماد السيد مولوي أسد الله (بلال كريمي) سفيراً وممثلاً فوق العادة لإمارة أفغانستان الإسلامية لدى الصين".
وبالنسبة لروسيا، ثاني أكبر صاحب مصلحة إقليمية في المنطقة، فقد ذكرت وكالة الأنباء الروسية (تاس) في 28 من أيلول/سبتمبر 2023م أنّ "روسيا قد تعترف بحكومة طالبان المؤقتة - المحظورة في روسيا - في المستقبل، ولكن يجب على ممثليها كسب ذلك من خلال الوفاء بالتزاماتهم"، وفي مقابلة مع قناة (RTVI) صرّح الممثل الخاص للرئيس الروسي لأفغانستان زامير كابولوف بأن "الاهتمام الرئيسي لروسيا يتمثل في إنشاء حكومة شاملة عرقياً لا تقتصر على العرق البشتوني، بل تشمل الأعراق الموجودة في دول الاتحاد السوفيتي السابق ودول آسيا الوسطى والطاجيك والأوزبيك".
في الواقع، لا جديد في استراتيجية الدول الكبرى تجاه أفغانستان، إذا ما قورنت بالاستراتيجية العامة تجاه الشرق الأوسط الكبير، التي ضمنت هيمنة الاستعمار على العالم الإسلامي منذ هدم الخلافة في 3 من آذار/مارس 1924م الموافق لـ28 من رجب 1342هـ. وبالنسبة لأفغانستان، فإن مطامع القوى الاستعمارية الكبرى فيها تكمن في كونها "سعودية الليثيوم" على حد تعبيرها، ناهيك عن الثروات الأخرى المكنونة في تضاريسها الجبلية.
تعتمد الدول الكبرى في إنفاذ استراتيجياتها في أفغانستان وضمان الالتزام بها على نظام العقوبات والحوافز. ومن أهم الحوافز الإمداد بمساعدات إنسانية هائلة، وزيادة التمويل، وتعزيز التجارة والاقتصاد، وإقناع طالبان بتبني المعايير الاقتصادية الدولية. أما العقوبات فتشمل ما تسبب به حكام باكستان العملاء من أزمة ضخمة للاجئي أفغانستان، حيث قاموا فجأة، بعد اجتماعهم مع مسؤولين أمريكيين، بطرد مئات الآلاف من المسلمين الأفغان الذين كانوا يعيشون داخل باكستان لعقود، وكثير منهم لا يعرف شيئاً عن الحياة خارجها، بالإضافة إلى الاشتباكات العنيفة بين الجيش الباكستاني ومقاتلي القبائل، وهي عقوبة دموية بشعة. أما ما تثيره الدول الغربية من ضجة كبيرة حول حقوق النساء والأطفال، فإنما هو لخلق ضغوطات على أفغانستان، فالدول الغربية لا تكترث بهذه الحقوق، كما انكشف ذلك جليّاً في غزة.
لقد أعربت بعض الفصائل داخل حركة طالبان عن اهتمامها بتعزيز العلاقات "البناءة" مع الغرب، وهو موقف لا شك منكَر، وهذه الفصائل ترتكب الخطأ الفادح نفسه الذي ارتكبته قيادات أخرى في البلاد الإسلامية، بالاصطفاف مع القوى الاستعمارية وبالتالي الوقوع في شباك قوانينها واتفاقياتها. يتعين على قيادة طالبان فهم أن السياسة الخارجية للقوى الكبرى لا تنفصل عن الاستعمار، وأن الاستعمار بعدما طُرد بالجهاد من أفغانستان من الباب الأمامي، هو الآن يحاول العودة من الباب الخلفي، باستخدام المؤسسات الدولية، وتحاول الولايات المتحدة إعادة نفوذها في أفغانستان من خلال التأثير الاقتصادي والاستخباراتي في أفغانستان، وخاصة القنوات الاستخباراتية التي انهارت بعد عام 2021م.
في خضم التنافس الشديدة بين القوى الكبرى على مصالحها، ينبغي على حركة طالبان المجاهدة أن ترسم طريقاً مستقلاً للأمة الإسلامية، وتنأى عن مسلك الجماعات الإسلامية التي اصطفت مع القوى الكبرى وفشلت، وكانت وسيلة لتحقيق أهداف المستعمر، وينبغي على طالبان قطع اتصالاتها مع أعداء المسلمين وعملائهم في العالم الإسلامي تماماً، كما ينبغي عليها الانخراط بشكل كامل في المشروع الوحيد الذي سيحل محل النظام العالمي الحالي، وهو مشروع إقامة الخلافة على منهاج النبوة، التي ستوحّد البلاد الإسلامية في دولة واحدة، وتحرر الأراضي المحتلة، وتفتح البلاد للإسلام بالدعوة والجهاد، ليتحول الخضوع إلى هيمنة والهزيمة إلى نصر، قال رسول الله ﷺ: «مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ إِلَّا ذُلُّوا». (رواه أحمد)
بقلم: الأستاذ مصعب عمير – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع