قال جوزيب بوريل مسؤول الخارجية للاتحاد الأوروبي يوم 22/1/2024 إن "(إسرائيل) لا تملك "الفيتو" ضد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم". وجاء تصريحه عقب إعلان كيان يهود بلسان رئيس وزرائه نتنياهو "رفضه لحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية بأي شكل لما بعد الحرب على غزة"، في رسالة بعثها إلى الإدارة الأمريكية يوم 18/1/2024. وبذلك تحدى أمريكا صاحبة الحل حيث وجد في إدارتها ضعفاً، فقاوم ضغوطاتها عليه لوقف عدوانه على غزة. وتصريحه هذا أزعج أوروبا أيضا التي تتبنى هذا الحل، فقد أكد بوريل أن "المفاوضات من أجل حل الدولتين في الشرق الأوسط ستستمر، شاءت (إسرائيل) أم أبت".
وذكر بوريل أن وزير خارجية كيان يهود كاتس في اجتماع مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، اقترح عليهم بناء جزيرة صناعية لأهل غزة بالبحر المتوسط قبالة سواحلها. وذكر مصدر دبلوماسي لقناة يورو نيوز اشترط عدم ذكر اسمه، أن "قرار كاتس طرح المبادرة خلال المناقشات التي تركزت حول مفاوضات السلام المستقبلية المحتملة، قد ترك وزراء الاتحاد الأوروبي في حيرة من أمرهم". وقال بوريل "الدول الأعضاء أبلغت كاتس أنها تعتقد أن الحل لسلام دائم يضمن أمن (إسرائيل) يأتي من خلال إقامة دولة فلسطينية". ومعنى ذلك أن الاتحاد الأوروبي يحاول ممارسة الضغوطات على كيان يهود للقبول باستئناف المفاوضات حول حل الدولتين.
وفرنسا قائدة الاتحاد الأوروبي كان موقف رئيسها ماكرون متذبذبا؛ فقد دعم بشكل مطلق عدوان يهود على غزة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وزار كيان يهود لإبداء الدعم. وعندما ذكّره 10 سفراء فرنسيين في الشرق الأوسط برسالة جماعية احتجاجية؛ بأن "ذلك يشكل قطيعة مع موقف فرنسا المتوازن تجاه الفلسطينيين و(الإسرائيليين) وتأييدها لحل الدولتين وأن ذلك لا يحظى بقبول في الشرق الأوسط" عدّل موقفه قائلا يوم 23/11/2023 "ليس من حق (إسرائيل) أن تقرر من سيحكم غزة، وإنها جزء من مشروع الدولة الفلسطينية المستقبلية، وإنه لا شرعية لقصف الأطفال والنساء وكبار السن ونحض (إسرائيل) على التوقف"، وأمام احتجاج يهود قال لرئيسهم هرتسوغ "إنه لم يتهم (إسرائيل) بإيذاء المدنيين عمدا في غزة".
وأبدت ألمانيا دعمها المطلق لعدوان يهود على غزة وقام رئيس وزرائها شولتس ووزيرة خارجيتها بيربوك بزيارة كيان يهود لتأكيد الدعم. ولكنها ردت على نتنياهو فأكدت "حل الدولتين"، ودعت إلى "وقف إنساني عاجل للحرب في غزة".
وأعلنت بريطانيا دعمها المطلق لعدوان يهود على غزة وقام رئيس وزرائها سوناك بزيارة كيان يهود لتأكيد ذلك. فأعلن مكتب رئيس وزرائها يوم 22/1/2024 أن "رفض نتنياهو إقامة دولة فلسطينية مخيب للآمال"، وجددت موقفها الداعم لحل الدولتين. وقام وزير خارجيتها كاميرون يوم 25/1/2024 بزيارة لكيان يهود واجتمع مع نتنياهو للحديث معه في هذا الموضوع، وفي موضوع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة والعمل على تأمين هدنة إنسانية يعقبها وقف إطلاق النار دائم في القطاع. وزار قطر التي تعمل كوسيط بين حماس وكيان يهود حيث تؤوي قيادة حماس السياسية وتقدم المساعدات لها وللقطاع للتأثير عليها وجعلها تحت الضغط. واعتبر لجوء جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية لن يساعد في تحقيق وقف الحرب في غزة، وذلك مراضاة لكيان يهود، في محاولة للتأثير عليهم، وغير مكترث بما يفعله يهود من جرائم هناك، وإن اعترف بأن "حجم المعاناة في غزة لا يمكن تصوره".
وعندما أصدرت المحكمة الدولية في لاهاي يوم 26/1/2024 قرارا يتعلق بالدعوى المتعلقة بغزة رحب به الاتحاد الأوروبي ودوله وبريطانيا وكذلك أمريكا. وقال بوريل "إن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة للأطراف وعليها الالتزام ويتوقع الاتحاد تنفيذها الكامل والفوري والفعال".
علما أن القرار كان لصالح كيان يهود، فلم يتهمه بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وإن طالبه "بضمان عدم ارتكاب قواته إبادة جماعية واتخاذ إجراءات لتحسين الوضع الإنساني"، ولم يطالبه بوقف عدوانه الآثم على غزة. فرحب به كيان يهود على لسان نتنياهو، ولكنه اعتبر مجرد تقديم دعوى بارتكاب إبادة جماعية بأنه أمر مشين بحقه وإن مناقشته عار. يقول ذلك بكل غطرسة وعنجهية اكتسبها من المواقف المتخاذلة للأنظمة القائمة في العالم الإسلامي.
إن حظوظ الاتحاد الأوروبي في التأثير على كيان يهود لتطبيق حل الدولتين أقل بكثير من أمريكا، بل إنه تابع لها. فإذا أحرزت أمريكا تقدما نحوه فإن الأوروبيين سيكونون مكملين، وتصريحاتهم وتحركاتهم تتبع الأمريكي، ولا تستطيع التقدم عليه، وقد حاولت فرنسا فتراجعت عن طلبها وقف إطلاق النار.
إن الأوروبيين كالأمريكان يدركون أن حل الدولتين هو لصالح يهود، لأنه ستكون هناك منطقة آمنة تحافظ على مستوطناتهم اسمها دولة فلسطينية تشبه السلطة الفلسطينية. وبذلك يظنون أنهم سيسكتون المطالبين بتحرير فلسطين، وتتخلص الأنظمة التابعة لهم في العالم الإسلامي من المسؤولية فيما يتعلق بالتحرير. وهم يريدون أن يركزوا هذا الكيان كقاعدة لهم في قلب العالم الإسلامي على غرار ما كان عليه الحال في الحروب الصليبية ولكن باسم كيان يهودي، يكون خنجرا مسموما يطعن في خاصرة الأمة الإسلامية، يمنع وحدتها ونهضتها وإقامة خلافتها. وهم يدركون أن هذه الأمة صبورة معطاءة، أمة جهاد وتضحية، وقد أثبتت حرب غزة ذلك، وإذا لم يطبق هذا الحل فإن الأصوات ستعلو "الخلافة الخلافة.. الجهاد الجهاد"!
وقد ظهرت في هذه الحرب إمكانية التأثير على الشعوب في الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي. وكذلك الجاليات المسلمة في الغرب يمكنها أن تلعب دورا مهما في توجيه الرأي العام وكسب الشعوب والتأثير عليها، وتتطلع لمن يقودها بكل شجاعة ووعي وثبات وإخلاص. وقد لعب حزب التحرير دورا لا بأس به، لفت انتباه الكثير من الناس وساروا معه. لا سيما وأنه صاحب هذه الصفات ولديه الوعي والفكر المطلوبان. ولهذا لم تتحمل بريطانيا ذلك فقامت بحظر الحزب بسبب تأييده للمجاهدين في غزة ودعوته جيوش المسلمين للتحرك لنصرة غزة. وقد حظرته ألمانيا قبل 20 عاما لإدراكها مدى تأثيره على الجالية المسلمة. وفي تقرير للمخابرات الألمانية نشرته صحيفة الشرق الأوسط الصادرة في لندن بتاريخ 3/2/2020 يقول إنه رغم منع ألمانيا لحزب التحرير فإنه يتوسع وتتضاعف أعداده، وأسباب ذلك "جذبه أعضاء عبر طرح مواضيع شعبية، وتنظيم نشاطات اجتماعية، وطرح قضايا جذابة مثل قضية الأويغور ومنع الحجاب، إذ تمكن من جمع 170 ألف إمضاء، ومن خلال نقاشات سياسية مرتبطة بالإسلام". وأظهر الحزب نشاطا وقدرة على تسيير مسيرات تتعلق بحرب غزة رافعا راية الإسلام وشعارات الخلافة وأنها الحل.
رأيك في الموضوع