أكثر من ثمانين يوماً منذ انطلاق طوفان الأقصى، وخلال أسابيعه الأولى بل أيامه الأولى فقط استطاع هذا الطوفان أن يعرّي حكام المسلمين ويفضح مواقفهم المخزية؛ فقد انقسم الحكام إلى فريقين؛ فريق بيّن وقوفه الظاهر والخفي مع اليهود؛ فعلى مستوى اليمن فإن مجلس العليمي وقوات الساحل الغربي التابعة لابن أخ الهالك علي صالح والمجلس الانتقالي... كان موقفهم مخزياً متماهياً مع ما يفعله يهود، أما في الجانب الإقليمي فمصر والأردن وتركيا والإمارات والسعودية وبقية دويلات الخليج بل جميع حكام المسلمين الذين انفضحت أعمالهم للعامة؛ الأعمى والبصير، وبالتالي لا نحتاج إلى بيان مواقفهم وفضحها لأن الشمس لا تغطى بغربال. هذا بالنسبة لموقف الفريق الأول من حكام بلاد المسلمين.
أما الفريق الآخر الذي يسمي نفسه مقاومة وممانعة لكي يكسب الرأي العام، وأعمالهم كلها شوكة من ورق ودعاية إعلانية، فهو بزعامة إيران التي جعلت من قضية فلسطين رأس حربة لتحشيد الناس من خلفها لعقود، حيث كانت ردة فعلها باهتة وخجولة في ظل تكاتف غربي قوي غير مسبوق مع الكيان الغاصب، رغم قدرتها على محو كيان يهود خلال دقيقتين حسب زعمها، ولا يختلف الحال عند حزبها في لبنان الذي اقتصر دوره بين معاتب لعدم إعلامه بالعملية وبين مناوشات شكلية على الحدود؛ فبينما وصلت حصيلة العدوان الغاشم على إخواننا في فلسطين إلى أكثر من سبعين ألفاً بين شهيد وجريح لم يحرك طرف المحور في لبنان ساكناً وهو على بعد مرمى حجر، ولم تحرك إيران فيالقها وأساطيلها وصواريخها رغم هول المصاب!
ويبدو أن إيران ومن يقف خلفها لم يتقبلوا أن تسقط أوراقهم مرة واحدة أمام الرأي العام فأوعزوا إلى الحوثيين في اليمن بالقيام بالأعمال المادية ضد كيان يهود الذي يبعد عنهم أكثر من 2500كم، حيث أعلن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة يحيى سريع يوم الثلاثاء 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023م في بيان صحفي، إن "هذه العملية (إطلاق المسيرات) هي العملية الثالثة نصرة لإخواننا المظلومين في فلسطين". وأكد استمرارهم في "تنفيذ المزيد من الضربات النوعية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، حتى يتوقف العدوان (الإسرائيلي)". وقد جاءت هذه التصريحات بعد ما يقارب الشهر منذ بدء الطوفان، لتؤكد أن الجماعة ضمنت سماح وإذن أمريكا ليكون تبني العملية بمثابة الفرج ورفع الحرج أمام الأتباع وإسكات للانتقادات الشعبية.
لقد بالغت جماعة الحوثي في تبني ضرب كيان يهود بالصواريخ والمسيرات عابرةً البحر الأحمر بما فيه من مئات السفن التجارية والسفن الحربية، بينما ضرب كيان يهود فعلياً أقرب وأسهل، حيث يمتلك الكيان في إريتريا العديد من الخبراء العسكريين وقواعد عسكرية في جزر دهلك وحالب وفاطمة وموسى، وحصل من إريتريا على حق استخدام أرخبيل دهلك التي تبعد 65 كم فقط عن الساحل الإريتري، وتعد أكبر قاعدة بحرية للكيان الصهيوني خارج فلسطين المحتلة، وثاني أكبر قاعدة بحرية له تمكنه من التجسس على كل ما يدخل ويخرج للبحر الأحمر، حيث يمتلك فيها أحدث التكنولوجيا للتنصت على الاتصالات اللاسلكية وأجهزة الإرشاد البحري، وفي جزيرة حالب معسكر لكيان يهود يضم 800 فرد من الكيان، ولديه رادار أعلى قمة جبل سوركين في مدخل باب المندب في أرخبيل دهلك.
لقد توالت أعمال الحوثيين الدعائية ضد كيان يهود؛ ففي التاسع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة يحيى سريع عن تنفيذ القوات البحرية عملية عسكرية في البحر الأحمر "كان من نتائجها الاستيلاء على سفينة (إسرائيلية) واقتيادها إلى الساحل اليمني"، ثم توالت الاعتداءات على السفن في البحر الأحمر ومنها في 12 كانون الأول/ديسمبر، وتم الإعلان عن استهداف الحوثيين بصاروخ سفينة أخرى "ستريندا"، تحمل العلم النرويجي كانت تحمل النفط إلى كيان يهود، بحسب زعمهم، وقد قام الحوثيون بهذه الأعمال وهم مدركون جداً بأن أمريكا ومن خلفها أوروبا لن تتهاون في ردع من تسول له نفسه المشاركة في الحرب ضد كيان يهود، حيث نشر الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، أسلحة متقدمة وكثيرة في المنطقة منذ بدء العدوان على غزة، ويشير هذا النشر والخطاب المباشر والصريح الذي رافقه، إلى استعداد غربي معلن للدخول في مواجهة مسلحة مع أي طرف سيشارك. وأيضاً كان التهديد الأمريكي لإيران على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن واضحاً بخصوص عزم أمريكا على الرد عسكرياً على إيران إذا حاولت التدخل في صراع غزة.
وفي خضم هذه القوة الغربية في المنطقة والتهديدات السرية والعلنية لإيران ومحور المقاومة يقوم الحوثيون باحتجاز السفن والاعتداء عليها، ولم يجنّ جنون أمريكا والغرب! وحتى الآن لم تتوقف الحرب ولم يعبأ لها يهود، وهذا يؤكد أن هذه الأعمال غير جادة وتسير ضمن مخطط أمريكي غير معلن.
ويبدو التناقض جلياً بين حبهم المزعوم لفلسطين وبين تطبيقهم للنظام العلماني الكافر الذي يجعل من نصرة المسلم لأخيه المسلم عقبة في ظل الحدود التي رسمها للمسلمين، ولا نبالغ إن قلنا بأن صراخ الحوثيين بالموت لأمريكا شعار فارغ؛ ففي ظل هذا الصراخ تحكم الجماعة بنظام أمريكا وتلتقي بمبعوثيها!!! فعجباً كيف يوفقون بين مسيرتهم القرآنية والنظام الجمهوري العلماني الذي يطبقونه في اليمن والذي يحكم به كيان يهود؟!
إن تصريحات الحوثيين بأنهم لن يتوقفوا عن استهداف السفن إلا بعد وقف العدوان على غزة تعني بأنه إذا انتهت حرب غزة فسينتهي استهداف السفن ونترك اليهود في فلسطين!! وليس هذا هو موقف الشرع من اليهود! إن الناس الصادقين يجب عليهم أن لا ينتظروا إيقاف اليهود حربهم على غزة، بل عليهم أن يستأصلوا كيان يهود قولاً وفعلاً قبل طوفان الأقصى أو بعده. إننا هنا في موقف بيان من يزعمون الموت لأمريكا، كون عملهم مضللاً للناس، أما بقية الحكام وخصوصاً من حكموا اليمن سابقاً ومن يسمون أنفسهم بالشرعية اليوم، فإنهم غارقون في وحل الخيانة والتفاهة والتهافت فلا يحتاجون لمزيد فضح بل حالهم يغني عن المقال.
وبناءً عليه فإن جميع حكام اليوم؛ سواء دجال أنقرة أو أفاك مصر أو السفهاء من آل سعود أو مهرجو إيران كلهم في السوء والكيد للإسلام والمسلمين يتسابقون، فهم ليسوا ولاة أمر ولا بأي حال من الأحوال، وطاعتهم غير واجبة شرعاً، بل يجب على المسلمين خلعهم من عروشهم وإزالة أنظمتهم الفاسدة العميلة للغرب، ومبايعة خليفة للمسلمين يحكم بكتاب الله سبحانه وسنة رسوله ﷺ، يملأ الأرض عدلا ونورا بعدما ملئت ظلما وجورا، ويحرك الجيوش لاستئصال كيان يهود تحت راية العقاب.
بقلم: المهندس قيصر شمسان – ولاية اليمن
رأيك في الموضوع