تعرضت القواعد الأمريكية في سوريا والعراق إلى أكثر من هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة من قبل فصائل ما يعرف بالمقاومة الإسلامية في العراق، وقد استؤنفت هذه الهجمات بعد قرابة العام من السبات، أي منذ تولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة التي شكلها الإطار التنسيقي، إلى انطلاق عملية طوفان الأقصى.
وبدأت هذه الهجمات بعد الرد الصهيوني على غزة إثر عملية طوفان الأقصى، وبالأخص عندما قام الاحتلال بقصف مستشفى المعمداني بوسط غزة، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 500 مدني، ومع استمرار الدعم اللامحدود من قبل أمريكا للمحتل الصهيوني، وخروج المظاهرات في ساحة التحرير للتنديد بإجرام يهود، وتصاعد حدة الغضب الشعبي العربي والإسلامي بات ضاغطاً وبقوة على القيادات والأنظمة السياسية، في دول مثل لبنان وسوريا والأردن ومصر وإيران، ما دعا بعض الفصائل المسلحة التفاعل مع الحدث وإعلانها أن "كل القواعد الأمريكية في العراق وسوريا باتت هدفاً مشروعا لها".
وفعلا تم استهداف قواعد التنف، وخراب الجير، والشدادي، وتل بيدر، والمالكية، وركبان، وآخرها قاعدة رميلان في سوريا، وقاعدة عين الأسد، وحرير في العراق.
ونقلت وكالة رويترز، عن مسؤولين في الحكومة العراقية أن "السوداني ونحو 10 من كبار أعضاء حكومته التقوا مع قادة حوالي 12 مليشيا في بغداد يوم 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي". وكان الهدف من الاجتماع هو "الضغط على الجماعات لوقف هجماتها على القوات الأمريكية". لكن معظم قادة المليشيات توعدوا بـ"مواصلة هجومهم حتى تنهي القوات (الإسرائيلية) حصارها وقصفها لقطاع غزة". وهذا ما دعا وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن إلى زيارته غير المعلنة إلى بغداد الأحد 5/11/2023، وأنه "أوضح تماما" لرئيس الوزراء العراقي "أن هذه الهجمات، والتهديدات التي مصدرها مليشيات متحالفة مع إيران، غير مقبولة على الإطلاق".
وتعهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بملاحقة المسؤولين عن الهجمات الأخيرة على 3 قواعد عسكرية في العراق تستضيف مستشارين للتحالف الدولي تشمل قاعدة عين الأسد في غرب العراق وقاعدة عسكرية قرب مطار بغداد الدولي وقاعدة حرير في أربيل، حسب ما أوردته كلمة الإخباري (الجزيرة)، وبعد ساعات طار السوداني إلى إيران "لمناشدة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ومسؤولين إيرانيين آخرين بشكل مباشر للمساعدة"، لكن "المسؤولين الإيرانيين أبلغوه بأن المليشيات في العراق اتخذت قراراتها بنفسها وأن طهران لن تتدخل في الوضع هناك"، وفق ما قال سياسي عراقي كبير مقرب من رئيس الوزراء لوكالة رويترز.
ولمعرفة ما يجري، وبيان الدوافع والأهداف لهذه الهجمات، لا بد من إلقاء الضوء على واقع هذه الفصائل، فحكومة السوداني ولدت من رحم الفصائل المسلحة التي يمثلها الإطار التنسيقي، إلا أن هناك بعض الفصائل خارج إطار الدولة وهي أشبه بالدولة العميقة التي ترفض الحكومة وجودها، وهذا ما صرح به مهند الجنابي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان بأربيل، في حديثه للجزيرة نت "أن السوداني سيكون أمام تحد كبير"، "موضحا أن من يقدم على هذه الهجمات هو التيار الأصولي للفصائل المسلحة مثل ) كتائب النجباء، وحزب الله العراق، وسيد الشهداء)، في الوقت الذي تبدو فيه فصائل أخرى مثل (عصائب أهل الحق، وجند الإمام، وكتائب الإمام علي، وغيرها) بعيدة عن هذه الهجمات، بما يمكن تسميتها خلافات بين جناح الحشد الشعبي وفصائل التيار الأصولي".
فما هي الدوافع والأهداف؟ لا شك أن هذه الفصائل تريد ركوب الموجة، وتحاول تحسين صورتها أمام الشارع العراقي الذي لاقى الأمرين من فعالها في تهجير الناس وأخذ الأتاوات، وإلا لو كانت جادة لفتحت جبهة على كيان يهود، عن طريق حليفها حزب إيران في لبنان، الذي يقوم بنفس دور الفصائل المسلحة من إطلاق صاروخ هنا وهناك على كيان يهود، لحفظ ماء وجهه، وعندئذ يكون العمل جادا لا ادعائيا ودعائيا، وهذا مستبعد لأن إيران والعراق وجميع الدول في البلاد العربية والإسلامية، لا يسمحون بالمواجهة المباشرة مع كيان يهود، وهم منذ بدء العدوان على غزة وإلى الآن يجتمعون ويصرحون بعدم التصعيد، وضرورة إتاحة المجال للحلول السلمية.
أما الطرف الآخر وهو المحتل الأمريكي فلا شك أنه يريد توظيف هذه الهجمات لصالحه، من خلال حق الرد والضغط على حكومتي العراق وإيران بالإملاءات التي يفرضها كردة فعل على هذه الهجمات، لذلك نرى مدى حرص الحكومة العراقية على السيطرة على هذه الفصائل، ومدى خوفها من رد الفعل الأمريكي، وليس بالضرورة الرد العسكري بل يكفي العقوبات الاقتصادية، وحجز الأموال العراقية في البنك الفيدرالي، بحجة ضعف الحكومة وسيطرة المليشيات على مفاصل الدولة.
يا أمة الإسلام، يا أمة الخير والهداية، ويا جند الإسلام: ها قد اجتمع الكفر في خندق واحد، يقتلون أبناءكم ونساءكم وشيوخكم في غزة الأبية، وقد مضى أكثر من شهر وصرخات الأيتام والثكالى تستصرخكم، وأنتم قادرون على نصرتهم، وقد أقاموا الحجة عليكم، فوالله إن عملية طوفان الأقصى هي الكاشفة والفاضحة لكل متخاذل، وأنتم ترون مدى خسة ونذالة حكامكم، فإما أن تعقدوا النية وتشمروا عن ساعد الجد، وتخلعوا هؤلاء الحكام الخونة، وتنطلقوا لنصرة إخوانكم في غزة بإعلان الجهاد في سبيل الله، فتنالوا عز الدنيا وفوز الآخرة، أو تبقوا في سباتكم، فتنالوا غضب الله، والحسرة يوم القيامة، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد الطائي – ولاية العراق
رأيك في الموضوع