في مقابلة أجرتها التلغراف مع وزير الدفاع البريطاني الجديد غرانت شابس، أكد أنه أجرى "محادثات مع قيادات الجيش تناولت نقل برنامج تدريب رسمي بقيادة بريطانيا إلى داخل أوكرانيا بدلا من كونه في القواعد العسكرية التابعة لبعض دول حلف الناتو"، داعيا شركات الدفاع البريطانية إلى بناء مصانع في أوكرانيا أيضا.
وقبل أسبوع، كان غرانت شابس في زيارة إلى أوكرانيا أجرى خلالها محادثات مع رئيسها زيلينسكي وأخبره بإمكانية اضطلاع القوات البحرية البريطانية بدور في الدفاع عن الحاويات البحرية التجارية وحمايتها من الهجمات الروسية.
وأشار شابس إلى أن بلاده "تدرس الطرق التي يمكنها من خلالها مساعدة أوكرانيا على أن تتهيأ لعضوية الناتو"، مرجحا أن غرب أوكرانيا "يُعد فرصة الآن لإدخال أشياء كثيرة إلى البلاد وليس التدريب فقط إذ نرى أن هناك إمكانية أيضا إلى أن تبدأ شركة بي إي أي (مؤسسة بريطانية تعمل في قطاع الدفاع)، على سبيل المثال عمليات التصنيع في البلاد".
ليست غريبة ولا مستغربة هذه الحماسة البريطانية، فهي في سياق نهجها السياسي تجاه الحرب الروسية الأوكرانية ونظرتها الاستراتيجية لها. فهذه الحرب هي بالمفهوم الاستراتيجي حرب كبرى بين القوى الكبرى؛ روسيا كفاعل مباشر وأمريكا وأوروبا من الخلف، فتأثيرها الاستراتيجي على الموقف الدولي والساحة الدولية أخطر وأعمق، وبريطانيا ترى فيها فرصتها الاستراتيجية الكبرى لخلط الأوراق الدولية وإعادة الفرز وتشكيل الموقف الدولي بما يخدم سياساتها الاستعمارية. فهذا السخاء المسموم في دعم أوكرانيا في حرب روسيا، هو جزء من استراتيجية كبرى لبريطانيا نهجتها في مزاحمة أمريكا على السيطرة والاستعمار والتحكم في العلاقات الدولية وفي الدول نفسها لاتخاذها أدوات للسيطرة والاستعمار، وللدفاع عن مصالحها ونفوذها.
بريطانيا ترى أن الحرب الروسية الأوكرانية تستوفي جل شروط الحرب الكبرى، وتدفع بها إلى شفير هاوية الحرب الدولية العالمية لتكتمل أشراطها، فهذه الاستراتيجية البريطانية القديمة الجديدة في إشعال نيران الحروب الكبرى للتأثير في موازين القوى وهيكل الموقف الدولي وتغيير مجرى الأحداث الكبرى، وإضعاف ونهك الخصوم في محاولة لإعادة الموقف الدولي لصالح الهيمنة الاستعمارية البريطانية تكاد تكون طريقة بريطانية.
فبريطانيا هي من أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى وجرّت العالم إليها، لضرب القيصرية الألمانية التي شكلت تهديدا جديا لنفوذها الاستعماري وتحولا خطيرا في ميزان القوى لصالح ألمانيا القيصرية. وأيضا لتصفية الخلافة العثمانية بوصفها العدو الأول، فالدولة الإسلامية هي العدو التاريخي الأصيل لأوروبا الصليبية.
وبريطانيا هي كذلك التي أشعلت فتيل الحرب العالمية الثانية وجرت العالم إليها، لضرب ألمانيا النازية التي باتت تزاحمها في استعمارها، وكذلك في محاولة منها لتصفية النظام الشيوعي في روسيا الذي أخل بتوازن القوى الأوروبي، لإعادة الهيمنة الاستعمارية البريطانية لكنها فشلت في مهمتها فانحصر استعمارها.
وبريطانيا اليوم ترى في الحرب الروسية الأوكرانية حربها الكبرى، وفرصتها لترجمة رؤيتها الجديدة لدورها العالمي والتي أعلنتها حكومة بوريس جونسون بعد الخروج الرسمي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي تحت شعار "بريطانيا العالمية"، أي ذلك الحنين والهوس باستعادة إمبراطوريتها الاستعمارية.
وكانت هذه الحرب بمثابة الاختبار لشعارها "بريطانيا العالمية"، فبعيد إعلان الحرب صرح رئيس وزرائها بوريس جونسون في مقر الناتو ببروكسيل "ربما تكون أخطر لحظة... أكبر أزمة أمنية واجهتها أوروبا منذ عقود..."، ومنذ الأيام الأولى للحرب، كان جونسون هو أول قائد أوروبي يزور كييف، وكثف المسؤولون البريطانيون الزيارات لكييف ودول شرق أوروبا، ثم ذلك السخاء البريطاني المسموم في حشد الدعم المالي والعسكري والتأييد السياسي لأوكرانيا، فبريطانيا هي ثاني داعم مالي وعسكري لأوكرانيا بعد أمريكا، فهي من استضافت برنامج التدريب إنترفليكس لتدريب 10 آلاف جندي أوكراني، وقد فاجأت الدول الغربية بإرسال دباباتها المتطورة تشالنجر 2 للجيش الأوكراني، ثم انتقلت إلى خطوة أكثر خطورة وحساسية عبر إعلانها عزمها الجاد في تزويد الجيش الأوكراني بطائرات مقاتلة، وكانت قبلها قد زودته بصواريخ مضادة للدبابات، بل ومن خبيث دسائسها في تسعير نار الحرب صرح أحد وزرائها بدعمه لشن هجمات أوكرانية داخل الأراضي الروسية، ثم كان الهجوم على خطوط أنابيب الغاز الروسي عصب الاقتصاد الروسي، والذي اتهمت فيه وزارة الدفاع الروسية عبر بيان لها في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2022 البحرية البريطانية بالمشاركة في الهجوم الذي استهدف خطوط أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وفق ما نقل موقع العربية نيوز الناطق بالإنجليزية عن وكالة سبوتنيك الروسية، وأوضحت الوزارة أن ممثلين عن سلاح البحرية البريطاني شاركوا في التخطيط للهجوم، الذي استهدف نورد ستريم 1 و2 في بحر البلطيق خلال شهر أيلول/سبتمبر 2022، وفق معلومات اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة. ثم جاء هذا التصريح الأخير لوزير الدفاع البريطاني وخطورته على الساحة الدولية في دفع الحرب الروسية الأوكرانية إلى شفير الهاوية وأتون حرب دولية واسعة، ما دفع بنائب مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف للرد على التصريح البريطاني بالقول "تدريب بريطانيا لعسكريين على أراض أوكرانية يدفعنا بقوة إلى حرب عالمية ثالثة".
واليوم سيرا على ديدنها واستجابة لعرقها الدساس وحنينا لإمبراطوريتها الاستعمارية المشئومة، تسعى بريطانيا لتأجيج نار الحرب الروسية الأوكرانية طمعا في تحويلها لفتيل حرب دولية كبرى، سعيا لإقحام أمريكا فيها وإغراقها في أزمة دولية كبرى طمعا في استنزاف قوتها وإنهاكها، عبر ضربها بروسيا وكسر ظهرهما وتحطيم هيمنتها وإن لم يكن فإضعافها؛ فأمريكا هي من أزاحتها عن الموقف الدولي في خمسينات القرن الماضي وقصقصت أجنحتها واستولت على العديد من مستعمراتها ولا زالت تكيل لها الضربات الواحدة تلو الأخرى في شبه القارة الهندية وشرق آسيا والخليج وبلاد الحجاز واليمن وليبيا ودول أفريقيا.
كما أن تسخين الأجواء وتصعيد التوتر ورفع مستوى الأزمة الأوكرانية ومنسوب الخطر والتهديد الروسي لدول شرق أوروبا، يخدم سياسة بريطانيا لما بعد البريكست وانسحابها من الاتحاد الأوروبي، إذ يُمَكِّنُها من التَمَوْضُع في المنطقة الرخوة للاتحاد الأوروبي (دول شرق أوروبا) لإيجاد أوراق ضغط لها من داخل الاتحاد خدمة لمصالحها (بولندا مرشحة لهكذا دور)، وكذلك مزاحمة أمريكا دوليا عبر الوجود في البؤر الساخنة.
هو حنين الإنجليز لماضيهم الاستعماري الملعون وهوسهم بإمبراطوريتهم الاستعمارية المفقودة على ضعف حالهم وقلة حيلتهم، فواقع الحال يقول إن الاقتصاد البريطاني هو الأضعف من حيث النمو حاليا بين دول مجموعة السبع، كما أن الجيش البريطاني بات من أضعف الجيوش الغربية، وبالرغم من كل هذا فبريطانيا الخبيثة لا تعدم المحاولة!
فكيف بكم أيها المسلمون وكل أسباب القوة بين أيديكم؛ رب قوي متين وإسلام عظيم وأمة صنعها وحي الحكيم العليم فصهر شعوبها في بوتقته فجعلها نسيجا فريدا في نسجه وتماسكه، واصطفاها لحمل الرسالة والشهادة على الناس فأودعها ختم وحيه وحقيق ويقين كلام الله لخلقه، فأنعم عليها بإسلامه وجعل قدرها أن تسود وتقود؟! فحري بكم أن تكونوا في مستوى إسلامكم وعلى قدر رسالته.
هي الجيوستراتيجية الاستعمارية الملعونة ووحوش استعمارها الضارية، ما كانت إلا خرابا ودمارا وافتراسا ودماء وأشلاء. يبقى الخلاص الخالص هو حشد الأمة الإسلامية لطاقاتها وشحذ لهمم أبنائها، لتحقيق مشروعها الاستراتيجي الأعظم في إعادة الإسلام إلى الساحة الدولية لقيادة الموقف الدولي وإعادة بناء العلاقات الدولية على أساس مفاهيمه الربانية الهداية والأمانة والعدل والرحمة بالعباد، بإقامة كيانه الاستراتيجي الرباني؛ خلافته الراشدة على منهاج النبوة، لتستأنف مفاعيل الاستراتيجية العظمى للإسلام في كنس هذا المقت الاستعماري المسمى دولا كبرى ونظاما عالميا، ودحر دوله ومؤسساته وتوابعه وأذياله، لإخراج البشرية من ليل الغرب البهيم إلى نور الإسلام العظيم وهديه، وإنه لكائن بإذن الله ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾؟
رأيك في الموضوع