إن ثورة 26 أيلول/سبتمبر 1962م، قامت بدعم أمريكي عن طريق جمال عبد الناصر وذلك لبسط نفوذ أمريكا في اليمن، ومما ساعد في إشعالها هو سوء رعاية حكام المملكة المتوكلية في شمال اليمن، ومع انطلاقة الثورة حتى برز للعلن الصراع الدولي لجني ثمارها، فأمريكا عملت على الظفر بها عن طريق القوات المصرية، فيما عملت بريطانيا لقطفها عبر مشايخ القبائل في شمال اليمن الذين كانوا على ارتباط بها عبر أمراء آل سعود، والناظر لحال اليمن منذ اندلاع تلك الثورة إلى اليوم يرى أن وضعها كان على صفيح ساخن بسبب الصراع عليها بين أمريكا وبريطانيا، وهنا تظهر حقيقة هذه الثورة وأنها ليست لأجل أهل اليمن واستقرارهم ونهضتهم، بل كانت ثورة بين أصحاب النفوذ الدوليين؛ بريطانيا المستعمر القديم وأمريكا التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وتربعت على عرش العالم للظفر والسيطرة على أجزاء كبيرة من العالم ومنها اليمن.
وفي الذكرى 61 لهذه الثورة تجدد الصراع بين عملاء أمريكا وبريطانيا، فقد قامت في بعض المناطق في شمال اليمن مظاهرات واحتفالات بذكرى 26 أيلول/سبتمبر مساء الاثنين ويوم الثلاثاء، وكان هذا بدفع من حزب المؤتمر الشعبي العام، لكن فوجئ المحتفلون بردة فعل مضادة من الحوثيين الذين يمثلون السلطة الحاكمة، حيث قاموا بحملة اعتقالات للمحتفلين بذكرى ثورة 26 أيلول/سبتمبر. "شهدت العاصمة صنعاء، ومدينة أب مساء اليوم الاثنين، احتفالات شعبية كبيرة بمناسبة ذكرى 26 سبتمبر المجيدة، وقالت مصادر محلية إن عناصر حوثية قامت بالتهجم على المواطنين المحتفلين في شوارع العاصمة صنعاء وتسجيل مخالفات مرورية على السيارات التي ترفع النشيد الوطني" (عدن الغد، ٢٥ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٣ م).
إن ثورة 26 أيلول/سبتمبر 1962م نادت بتطبيق النظام الجمهوري العلماني الذي يفصل الدين عن الحياة، ولا يمت للإسلام بأي صلة، فهو مستمد من المبدأ الرأسمالي حيث التشريع فيه للبشر ممثلا بالمجالس التشريعية، وينادي بالديمقراطية التي هي حكم الشعب نفسه بنفسه، والشعب مصدر السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وينادي بالحريات المطلقة. بينما في نظام الإسلام يكون التشريع فقط للخالق المدبر، قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾.
لم ينعم أهل اليمن في ظل هذا النظام بالسلام والرخاء بل استمرت الصراعات والحروب والفقر ونهب الممتلكات العامة وقطع الطرق والترويج للتفرقة والعنصرية والمناطقية راح ضحيتها آلاف مؤلفة من أهل اليمن، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾، وفوق هذا وذاك لم ينالوا رضا ربهم لأنهم تركوا كتابه وراء ظهورهم وذهبوا وراء الكافر المستعمر يأخذون نظامه الوضعي ويحملونه إلى بلادهم، وقد وضعوا أهدافا لهذه الثورة ومنها:
1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات. وعليه إن أول هدف من أهداف هذه الثورة يحمل نقضه بين جمله، فكيف يكون التحرر من الاستعمار في ظل الدعوة إلى إقامة نظامه لو كانوا يعقلون؟! فالنظام الجمهوري الذي يخلق الفوارق والامتيازات بين طبقات المجتمع وجعله مجتمعاً رأسمالياً يعيش فيه أصحاب رؤوس المال على حساب عامة الناس، ويعيش هؤلاء على فتات موائدهم!
2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها:
لقد أفرزت الثورة جيشاً وطنياً يحمي الحكام من المحكومين وليس له دخل بالإسلام ولا بالمسلمين، فهو لا تعنيه أراضي المسلمين المحتلة ولا عقيدتهم المتطاوَل عليها ولا أعراضهم المنتهكة ولا ثرواتهم المنهوبة، وإنما وجد هذا الجيش لحماية مصالح الكافر المستعمر من أن تُمس بسوء، وذلك مقابل راتب للجندي الواحد لا يتجاوز 50 دولاراً! فيضطر هؤلاء الجنود لنصب النقاط والتسلط على عامة الناس بجباية أموالهم تحت مسميات مختلفة، مع أن الأصل في الجنود أن يكونوا حماة الإسلام وحراس العقيدة، لا حراس حكام فسقة يطبقون عليهم أنظمة الكفر.
3- رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا!
أما هذا الهدف فقد تحقق نقيضه من حيث ارتفاع مستوى الفقر والبطالة والتفكك الأسري وإشغال الشعب في الجري وراء لقمة العيش، لا يتفرغ للأعمال السياسية، بل وتعمل على تكميم الأفواه والقمع السياسي والفكري من خلال الأجهزة الأمنية، والتجسس على أبناء الأمة وتأمين الشركات الأجنبية لنهب ثروات البلد.
4- إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمدة أنظمته من روح الإسلام الحنيف
نعم عملت هذه الثورة بكل جهودها على غرس فكرة الديمقراطية في أوساط المسلمين لإبعادهم عن الإسلام ونظامه السياسي نظام الخلافة، لذلك يسعى الكافر المستعمر بهذه الفكرة لتضليل الناس محاولاً التوفيق بينها وبين الإسلام رغم التناقض الكبير بينهما.
5- العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة
فالغرب الكافر مدرك تماما أن المسلمين متوحدون بعقيدتهم ومشاعرهم ونظام حكمهم، ولأجل ألا يشعروا بالفرقة وضعوا لثوارهم هذا الهدف، فالوحدة الوطنية فكرة ضيقة وموجودة عند الحيوان والطير فهي نابعة عن العاطفة ولا تصلح لأن تربط بين الناس، لأنها تظهر عندما يتدخل أجنبي على الوطن، وفي حالة السلم ليس لها أي أثر بل تظهر بجانب سلبي وهو الصراع وإشعال الحروب بين أبناء البلد الواحد، فالوطن الذي يزعمون حمايته والدفاع عنه ها هم يدمرونه وأصبح كصنم التمر يعبدونه ثم إذا ما جاعوا أكلوه! ولذلك فالوطنية ليست من الإسلام في شيء، فهي فكرة دخيلة على أفكار الإسلام وأذهان المسلمين، وجدت لزرع الفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية.
6- احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم:
ولكي يضمن الغرب الكافر المستعمر سيطرته على البلاد والعباد أمعن في الهيمنة عبر هيئة الأمم المتحدة. إن هذا الهدف يظهر بكل وضوح حقيقة ثورة 26 أيلول/سبتمبر وبأن المسيّر لهذه الثورة هو الغرب الكافر فيدعو أهل اليمن إلى احترام مواثيق عصبة الأمم النصرانية التي سميت لاحقا الأمم المتحدة التي تتوغل بين الشعوب عن طريق المنظمات والبعثات والمعاهد التبشيرية بحجة الإنسانية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل والمساواة وصدق الله القائل سبحانه: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.
أما من ناحية العلم الوطني الذي تراه بعض الأحزاب مقدسا خاصة بعد أن مزقه الحوثيون، وتعالت أصوات مستنكرة هذا الفعل فيتهمون الحوثي أنه لا يريد هذا العلم، والحوثي يرد عليهم بأنه لا علاقة له بهذه الأعمال وأن من قام بها هم مندسون وسوف يعاقبون.
أقول للأسف إن من رسم هذه الأعلام الوطنية هم أعداء الأمة الإسلامية في معاهدة سايكس بيكو عام 1916م عندما قسموا تركة الخلافة العثمانية بعد هدمها، ورسموا لكل دويلة حدودا وتقاسموها فيما بينهم وعندما أرادوا تحويل الاستعمار من وجودي إلى نفوذي صنعوا حركات وثورات تخدع الأمة بأنها أخرجت الاستعمار ووضعوا لكل دولة علماً وطنياً يقدسه أهل الوطن ويرونه رمزاً للحرية والاستقلال، وهذا هو السراب الذي لا وجود له وإنما خدعة لتضليل المسلمين وجعلهم متفرقين، وتسميم أفكارهم وجعلهم يمجدونه كل صباح في تحية العلم في المدارس وفي افتتاحيات الحفلات والفعاليات. إن تقديس العلم الوطني يخالف العقيدة الإسلامية التي تأمرنا بالتوحد على أساسها وليس على أساس الوطنية الضيقة، إن الراية التي قُطعت يدا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه من أجلها في غزوة مؤتة هي راية التوحيد، راية الإسلام، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ راية واحدة لكل المسلمين وليس رايات الاستعمار والتفرقة والعنصرية، إن الواجب على أهل اليمن هو الترفع عن هذه الضلالات والوعي على حقيقة ما يجري في بلدهم، وهو صراع دولي بدعم إقليمي وتنفيذ أيادٍ محلية خدمة للكافر المستعمر وتنفيذا لمخططاته، ولا يهمهم حال أهل اليمن.
يا أهلنا في اليمن: إن المخلص لكم من هذه الفتن والحروب وضنك العيش ليس هو اتباع أكاذيب العملاء وأنظمتهم المستوردة وثوراتهم المصطنعة وأعلامهم وراياتهم الاستعمارية، إنما هو بالعمل مع حزب التحرير لإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة التي تحرر بلاد المسلمين من الاستعمار وأعوانه، وتعيد لهذه الأمة أمجادها ومكانتها بين الأمم؛ فهبوا هبة رجل واحد ليرضى عنكم ربكم: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾.
بقلم: الدكتور محمد بن محمد – ولاية اليمن
رأيك في الموضوع