أعلنت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية عن وصول 3000 بحار وجندي من مشاة البحرية الأمريكية والوحدة الاستكشافية البحرية، ودخول سفينة هجوم برمائية وسفينة إنزال للبحر الأحمر تجلب معها أصولاً جوية وبحرية إضافية لتنضم إلى منطقة عمل الأسطول الأمريكي الخامس التي تشمل 2.5 مليون ميل مربع من المساحة المائية تشمل الخليج العربي وخليج عُمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي، وثلاث نقاط حرجة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. وللوقوف على الأسباب التي دعت أمريكا لإرسال هذه الدفعة من الجنود، وهي ليست الأولى، لا بد من النظر إلى مجموعة من النقاط ذات العلاقة بهذا الخبر وتناولها بشكل يزيل الغموض الذي يبدو ظاهريا في بعضها.
فأولى هذه النقاط نتناول فيها طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية خصوصاً أن أحد التصريحات المعلنة لإرسال الجنود تضمن بند حماية الناقلات البحرية في المنطقة من التحرشات والمضايقات الإيرانية. وثانيتها الأزمة التي تعيشها حكومة يهود برئاسة نتنياهو، وثالثتها السياسة الأمريكية فيما يتعلق باعتبار الصين تهديداً للسياسة الدولية وعلاقة الصين بهذه الممرات المائية، ورابعتها حاجة الحزب الديمقراطي الأمريكي لأوراق يقدمها في الانتخابات القادمة 2024، وآخرتها التململ الظاهر من شعوب المنطقة وانفصالها الكبير عن الأنظمة الحاكمة العميلة للغرب الكافر.
وسنتناول هذه النقاط بشيء من التفصيل بإذن الله:
إن المتابع للعلاقة الأمريكية الإيرانية يعلم يقيناً أنها لا تؤخذ من التصريحات الإعلامية ذات المحتوى الفارغ بل تؤخذ مما يدور على الأرض من تفاهمات، ففي اللحظة التي أرسلت فيها أمريكا جنودها كان هناك وفد أمريكي وآخر إيراني في قطر في مفاوضات أسفرت عن تبادل للسجناء والإفراج عن نحو 6 مليارات دولار من عوائد النفط الإيراني المجمدة لدى كوريا الجنوبية، فإيران دولة تدور في فلك أمريكا وتخدم مصالحها في المنطقة، والدلائل على ذلك كثيرة في أفغانستان والعراق واليمن وسوريا ولبنان وغيرها، ولكنها تتطلع إلى مصالحها أيضا في تمددها في المنطقة ما قد يشكل عقبات لبعض الجوانب التي تراها أمريكا خصوصاً بعد رفض شعوب المنطقة للتمدد الإيراني، وعدم مقدرة إيران على احتواء هذا الرفض، ليأتي إرسال الجنود تأكيداً على الهيمنة الأمريكية وإظهارا لقوة إيران.
وفي الجانب الآخر والمتعلق بكيان يهود والأزمة التي يعيشها نتنياهو وحكومته نتيجة إصراره على التعديلات القضائية، والاقتحامات المستمرة لمدن الضفة الغربية، والتي أوجدت انقسامات حادة في الكيان، والمظاهرات المستمرة ضد نتنياهو، كل ذلك دفع حكومة يهود لوضع تصور يخرجها من هذا المأزق وذلك بتوجيه ضربة عسكرية لإيران بحجة تطويرها لبرنامجها النووي، وهذا ما ترفضه أمريكا رفضاً قاطعاً لأنه قد يقلب المنطقة رأساً على عقب ويعرقل التصورات الأمريكية للمنطقة، ويؤكد ذلك العلاقة المتوترة بين بايدن ونتنياهو نتيجة تعنت يهود، وعدم دعوته لزيارة أمريكا، فأمريكا بذلك ترسل رسالة ليهود مضمونها أن إيران تحت حمايتها لأنها تحقق مصالحها في المنطقة، ولا ننسى المصالحة الإيرانية السعودية التي تمت سابقاً والتي تخدم الغرض نفسه.
أما فيما يتعلق بالصين فمعلوم أن هذه الممرات المائية تعتبر شريان تجارة النفط العالمية للصين وغيرها وبالتالي فأمريكا بإرسالها لهؤلاء الجنود ترسل رسالة للصين بأن خطوط إمدادها بالنفط تحت النفوذ الأمريكي وبمقدورها في أي لحظة أن تمنع هذا التدفق، وذلك تماشياً مع سياسة الاحتواء الأمريكي للصين، وتأكيداً على عدم قبول أمريكا للمنافسة على نفوذها في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وفي الوقت نفسه تؤكد أمريكا نفوذها وسيطرتها وضبطها للمنطقة فيما يشكل ورقة يستخدمها بايدن في الانتخابات القادمة لصالحه ضد الحزب الجمهوري.
كل ذلك يظهر للمتابع السياسي حيث إن محاولة تحقيق أكثر من هدف في عمل واحد هو عمل سياسي ماهر، ولكن ما يحتاج إلى عمق نظر واستبصار هو العلاقة بين شعوب هذه المنطقة وأنظمتها الحاكمة، فالانفصام يزداد والتململات تزداد، ومشاعر الغضب في أوجها ما يشكل هاجساً لدى أمريكا بأن تتحرك هذه الشعوب وتنقلب على أنظمتها العميلة وتكنس الوجود الأمريكي وغيره، وما ذلك على الله بعزيز، فلقد رأينا كيف أن شرارة الثورة التي انطلقت من تونس تنقلت بين دول المنطقة، وما زال الباعث لها موجوداً، القهر والذل والهوان التي تعيشه الشعوب الإسلامية ما يدفعها بشكل دائم لاستمرار هذه الثورات وانتقالها من نقطة لأخرى حتى تهتدي لطريق خلاصها، خلافة على منهاج النبوة.
لهذا نقول: صحيح أن أمريكا بإرسالها لجنودها ومع وجود قواعدها العسكرية في المنطقة تظهر العصا لمن يخالفها، لكنها في الوقت نفسه تعيش حالة توجس وخوف من التحام شعوب هذه المنطقة بأهل قوة ونصرة من جيوش المسلمين، ووجود قيادة سياسية نقية تقية متمثلة بأمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة لتعلن إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة تطرد العملاء وأسيادهم، وتجبر أمريكا والغرب على الهروب لعقر دارهم، إن بقي لهم عقر دار، وتنشر العدل والطمأنينة لشعوب العالم أجمع.
لذلك ندعو إخواننا في جيوش المسلمين لاستغلال هذه الفرصة، وخصوصاً ترافُقها مع صراعات دول الغرب فيما بينها، ما يشكل منحة إلهية لكم لتضعوا أيديكم بيد حزب التحرير وتعطوه النصرة ليعلنها خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة، يوحد بها أمة الإسلام وينشر العدل والطمأنينة في أرجاء الأرض.
فالغرب يخشاكم، فأروا الله منكم ما يحب، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
بقلم: د. عبد الله ناصر – ولاية الأردن
رأيك في الموضوع