كيف للمسلمين أن يرفعوا نزاعاتهم لعدوهم، وهذا الوحي العظيم بين أيديهم؟! إن الإسلام قادر على رفع النزاعات وحل المشكلات، وهذه من أهم النقاط التي من شأنها أن توجد هذه المعالجات في أرض الواقع وهي:
أولاً: نظرة الإسلام إلى الكفار أنهم عدو لهذه الأمة، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ ومن البديهي أن العدو لا يحب لك الخير، بل يسعى للقضاء عليك بشتى الوسائل.
ثانيا: أمر الله تعالى أهل الإيمان أن يطيعوه، وأن يردوا نزاعاتهم وشجارهم إليه وإلى رسوله ﷺ، ولا يدخلوا فيها غيرهم، قال تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾.
أيها المسلمون: إنكم تشاهدون اليوم ما يحدث في بلادنا في مسرى رسول الله ﷺ، وفي العراق وأفغانستان واليمن وليبيا، كذلك الاقتتال العبثي في السودان، والذي أضرمت ناره أمريكا رأس الشر، للمحافظة على مصالحها، وقد مات من أهله الكثير بأبشع صور القتل وهجر الناس من بيوتهم وانتهكت أعراضهم وسلبت أموالهم ودكت مساكنهم، كل ذلك بأيدي أبنائهم، غير أنهم يخادعون العالم بأنهم يبحثون عن حل! فمنبر في جدة برعاية أمريكا وآخر في إثيوبيا ومن ورائه بريطانيا، وبعدها في مصر بأمر من أمريكا، ثم مرة أخرى إلى جدة، كل ذلك ولم يدركوا أنهم يمشون من ظلام إلى ظلام دامس، فلسان حالهم يقول: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها *** إن السفينة لا تجري على اليبس!
فجانبوا طريق النجاة وخالفوا دينهم فأصابهم النفاق مصداقا لقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾.
فكل من يبحث عن حلول في غير الإسلام فقد ضل الطريق، وجانب الصواب، بل يبتغي حكم الجاهلية ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
ثالثاً: إن الإسلام يحسم الأمور دفعة واحدة فإما حق يثبت وإما باطل يزهق، وليس هناك شيء بينهما، فالحق يتبع وإن خالف الأهواء أو أغضب الناس، فليس في الإسلام حل وسط كما في العقيدة الرأسمالية، ليرضي الجميع، فالمسلمون يبحثون عن مرضاة ربهم وفي ذلك يقول الحبيب المصطفى ﷺ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ، سَخَطَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ»، فالإسلام لا يرضى بمثل هذه الحلول المعوجة التي ترضي الكافر المستعمر.
رابعاً: حرم الإسلام على المسلمين أن يجعلوا للكفار سلطاناً عليهم أو أن يدخلوهم في حل مشاكلهم فقال سبحانه وتعالى أمرا بصيغة الخبر: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، وكذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
فقد فهم الصحابة الكرام هذا الأمر وعندما حاول أعداء الله يهود أن يدخلوا بينهم ليفرقوا بينهم كما فعل شاس بن قيس، حيث مر يوما على نادٍ من نوادي الأنصار فوجدهم متحابين فرحين مسرورين تجمعهم الألفة والمودة، فاشتعل قلبه بالغيظ والحسد والكراهية لما شاهده من وحدتهم، فأغرى أحد شباب اليهود أن يدخل بينهم، وأمره أن يتغنى بأشعار يوم بعاث، وكان يوم بعاث هو آخر قتال دامٍ بينهم قبل الإسلام، وكان فيه مقتلة عظيمة بين الفريقين، وبالفعل دخل الشاب اليهودي وأخذ في التغني بأشعار هذا اليوم الجاهلي، فأثار الضغائن، وحرّك الأحقاد، وذكّر بالمصاب، فقام شابان من الأوس والخزرج فتقاولا، ثم تنافرا، ثم تضاربا، فحمي لكل شاب قبيلته، وتضاربوا بالسياط والنعال، ثم هرعوا إلى السلاح للقتال بظاهر المدينة، كل ذلك في دقائق معدودة، فخرج إليهم الرسول ﷺ والمهاجرون مسرعين وحجزوا بينهما، وأخذ الرسول في تهدئتهم وتذكيرهم برسالة الإسلام وأخوة الإيمان ووحدة المسلمين، وقال لهم: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، ففاء الفريقان إلى أنفسهم وتصالحا وتعانقا وتباكيا على ما كان منهم.
نموذج شاس بن قيس هذا نموذج دائم الحضور في حياة المسلمين، لا يكاد يخلو منه عصر، فهو لازمة من لوازم المدافعة بين الحق والباطل، نموذج المحرض على الفتنة، وشق الصفوف، وبذر الخلاف والشقاق بين الصفوف، وهو يتطور عبر التاريخ.
خامساً: لم يهنأ المسلمون في عيشهم وحياتهم منذ أن غابت الخلافة حينما فرطوا في خلافتهم وإمامهم الذي يطبق عليهم أحكام الإسلام، ويقودهم ليحملوا هذا الدين إلى الناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور. وكل من أراد حلا ناجحا نقول له إن صلاح هذا الأمر كما قال الحبيب المصطفى ﷺ؛ عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله ﷺ الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فأوصانا، فقال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيّاً، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».
فسنته ﷺ واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لا يستقيم الأمر إلا بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة، يبايع المسلمون فيها رجلاً منهم على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ يطبق الإسلام كاملاً ويحمله إلى العالم أجمع، ويقطع أيدي هؤلاء الكفار المستعمرين من بلاد المسلمين، بل ونغزوهم في ديارهم ليصبحوا هم أيضا حملة الحق. فهذا لعمري فلاح الدنيا والآخرة. فإلى هذا الأمر ندعوكم، وبهذا الفرض نذكركم، فشمروا عن سواعد الجد وأروا الله من أنفسكم خيراً.
بقلم: الأستاذ ميسرة يحيى – ولاية السودان (مدينة القضارف)
رأيك في الموضوع