منذ اندلاع الحرب العبثية في السودان، كما وصفها قائد الجيش البرهان بين عملاء أمريكا؛ الجيش وقوات الدعم السريع، تم استخدام سياسة التضليل، حيث قال وزير خارجية أمريكا بلينكن إن حرب الخرطوم شأن داخلي وأسرعت بلاده في إجلاء رعاياها كغيرها من الدول الأجنبية وتركوا أهل السودان يكتوون وحدهم بنيران الحرب والدمار.
وسياسيا فإن المستفيد الأول من هذه الحرب هو أمريكا، حيث إن المشهد أصبح بين عملائها العسكر، وتم إبعاد عملاء بريطانيا المدنيين الذين كانوا قاب قوسين من الاستفراد بالحكم عبر الاتفاق الإطاري، وفي السياق نفسه تتحدث أمريكا عن عدم التدخل في حرب السودان، فقال الرئيس المصري السيسي "ما يحدث في السودان شأن داخلي ولا ينبغي لأحد التدخل"! ومع مرور الوقت واحتدام العمليات العسكرية بين الطرفين بدأت أمريكا تدخل أوراقها التي تخفي فيها أجندتها السياسية، فبدأت بالهدن التي وصل عددها ما يقارب السبع، ثم انتقلت إلى مرحلة اللعب على طاولة المفاوضات، فكان منبر جدة الذي كان تحت إشراف مباشر من وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، الذي قال في تصريح لوسائل الإعلام "قمت بإجراء اتصالين مع الفريق البرهان والفريق أول حميدتي لحثهما على الموافقة على وقف إطلاق النار لمدة أربع وعشرين ساعة" (18 نيسان/أبريل 2023م). وتوالت بعدها الهدن التي كانت لإعطاء قبلة حياة لقوات الدعم السريع التي كانت تستفيد منها لترتيب أوضاعها من إنهاك الحرب، وهي سياسة أمريكية معروفة، فهي لا تريد الهزيمة لأي من الطرفين.
ثم الانتقال إلى منابر أخرى في عواصم الدول الموالية لأمريكا، فبعد إعلان جدة وما تمخض عنه من مخرجات، ومنها فتح المسارات الإنسانية لإيصال المساعدات إلى المتضررين. وفي 10 تموز/يوليو 2023م اجتمع رؤساء دول وحكومات المجموعة الرباعية للإيغاد عند الهضبة الإثيوبية وفي عاصمتها أديس أبابا فأتت القوى السياسية المدنية مهرولة لمناقشة تنفيذ خارطة طريق السلام في السودان، وقد ترأس الاجتماع وليام روتو رئيس كينيا وحضر ممثل قوات الدعم السريع وحضر أيضا رأس القوى المدنية عبد الله حمدوك، ومع احتساء هذه القوى للقهوة الحبشية على أمل أن يلتئم الاجتماع بحضور كل الأطراف إلا أن ممثلي الجيش رفضوا حضور الاجتماع، مع العلم أنهم جاؤوا إلى إثيوبيا. أحست أمريكا بالخطر فأوعزت إلى عميلها السيسي بإعلان قمة في القاهرة يوم 13 تموز/يوليو سميت بقمة دول جوار السودان، وبالفعل انعقدت القمة في الموعد المحدد بمشاركة أفريقيا الوسطى وتشاد وإريتريا وإثيوبيا وليبيا وجنوب السودان، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وأمين عام جامعة الدول العربية.
ألقى رؤساء هذه الدول كلمات وجاء البيان الختامي وفق ما رسمته أمريكا اللاعب الرئيسي وقد جاء فيه:
- الإعراب عن القلق إذا استمرت العمليات العسكرية لمدة أطول، ومناشدة الأطراف المتحاربة على الوقف من التصعيد والالتزام الفوري والمستدام بإطلاق النار وإنهاء الحرب.
- التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة وسلامة أراضيه وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
- التأكيد على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات الشعب السوداني في الأمن والرخاء.
- الاتفاق على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار.
- تكليف آلية الاتصال ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة.
هذا الإعلان وافق عليه الجيش وأصدرت خارجية السودان بيانا بهذا الخصوص وتوالت تصريحات قيادة الجيش، منها تصريح الفريق أول شمس الدين كباشي تماشيا مع رغبة أمريكا، بضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات السياسية بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهي تعتبر ضربة موجعة للمنخدعين بضرورة أن يحسم الجيش الحرب عسكريا؛ الذين أطلقوا هاشتاق "لا لوقف الحرب".
فيا أهل السودان: إن هذه الحرب تريد منها أمريكا نقل السودان إلى واقع جديد، بحيث يتم التفاوض بين عملائها في الطرفين المتحاربين وإبعاد أي نفوذ لأوروبا في السودان، دون الاكتراث لما أحدثته الحرب اللعينة بكم من قتل وتشريد واغتصاب ونهب وسلب وحرق الشجر والحجر. وهنا لا بد من وقفة ونظرة من وجهة نظر الإسلام الذي يحرم إراقة الدماء بغير حق، ويقضي بانتزاع السلطة من أيدي القادة العملاء وإرجاعها للأمة لتختار من يحكمها بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ليكون السودان مركزا لدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ عبد السلام إسحاق
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع