أمام مرأى ومسمع العالم وبين فترة وأخرى يعلن عن حرق المصحف الشريف وأمام الجماهير مع تكرار هذه الحادثة في دول أوروبية عدة ويمضي الفاعل بلا حساب وينتهي الأمر كأن شيئا لم يكن، ويكتفي المسلمون بالاستنكار والشجب وقد نسمع استنكارا من ممثلي سفارات البلاد الإسلامية في الدولة التي حصل فيها الحادث! ولكن اللافت للنظر في حادثة حرق المصحف الشريف أول أيام عيد الأضحى في السويد، وأمام أنظار الحشود أن الأمر كان منظما من المجرم الذي أقدم على حرق المصحف الشريف وذلك باستحصاله الموافقات الرسمية من السلطات، والمسلمون كالعادة اكتفوا بالتنديد والاستنكار! أما رئيس روسيا بوتين وفي محاولة منه لاستعطاف المسلمين فقد أدلى تصريحا متلفزا قال فيه بأنه ضد الحادث ومستنكرا إياه قائلا إن "هذه الحوادث لا تقع في بلاده وفقا للقوانين التي تسنها الحكومة الروسية والتي تنص على احترام الأديان"، متناسيا ما فعله الروس في أفغانستان والبلاد المحيطة بها وما أقدموا على فعله من قتل للمسلمين والتنكيل بهم لسنوات، لكن تصريحه لا يعدو عن كونه ملاطفة لمشاعر من اصطف بجانبه من عملاء المسلمين المتخاذلين الذين يتبجحون بالوقوف مع روسيا كرئيس الشيشان رمضان قديروف وغيره. أما أمريكا فقد أعلنت وبتصريح رسمي عن إدانتها للحادث متناسية أيضا ما فعلته في العراق من حرق للمساجد وتدميرها بالكامل، وهذه الإدانة تبعتها إدانة أخرى من رئيس تركيا أردوغان الذي يعزف كغيره على وتر المشاعر حيث استغفل الكثير وكسب مشاعرهم من خلال ما يدليه من تصريحات مؤيدة للإسلام والمسلمين، ولكن الواقع يكذبه ويقول بأن ما يقوله غير الذي يفعله، فهو رئيس دولة علمانية وسياسة بلاده الداخلية والخارجية لا تتقاطع مع مصالح الغرب بل خدمت المشروع الأمريكي في سوريا وليبيا، وهو على أتم الاستعداد لتقديم ما تطلبه أمريكا منه.
يبقى السؤال الأهم هنا وهو أين هم المسلمون؟! فالواقع يقول إنهم اليوم مستضعفون نتيجة لجور الحكام المتسلطين على رقابهم، وللسياسة المتعمدة من الدول التي تقاسمت بلاد المسلمين بعد اتفاقية سايكس بيكو في تجهيل المجتمعات في البلاد الإسلامية والعمل على تنشئة جيل لا يعرف عن دينه سوى ما هو موجود في موروثه في الكتب، بل وتعمل ليل نهار على مقت المسلمين وكبتهم وتحجيمهم مستخدمة أبشع الأساليب وأقذرها.
ولكن الواقع يقول بأن المسلمين وإن ضعفوا بعض الشيء إلا أنهم أصحاب عقيدة راسخة قوية لا يمكن زعزعتها وأنهم في حال فُسح لهم المجال تراهم كأسلافهم أسوداً لا يمكن للغرب مجابهتهم، وهم يعلمون ذلك جيدا.
فالرسالة إلى المسلمين هي: عليكم أن تعلموا جيدا أن الحقوق لا تسترد بالكلمات والعبارات الرنانة وإنما بالوحدة والوقوف صفا واحدا مسترجعين ذكرى الأمجاد عاملين على توحيد الصف والكلمة من خلال العمل الجاد على إيجاد كيان سياسي مبدؤه الإسلام يكون درعا للمسلمين يحمي المقدسات تحت راية الإسلام، فعندما نستعيد كياننا سنقف قوة مقابل قوة، وهنا فقط يمكننا أن نسترد الحقوق ونحاسب من يعتدي على المصحف، وعلى حرمات الرسول ﷺ، لا أن نكتفي بالاستنكار والشجب. وذلك كما فعلت الخلافة على مدار 1300 سنة، حيث أدّبت كل من تطاول ولو بكلمة على حرمات المسلمين ومقدساتهم.
فلذلك لا يغرنكم استنكار حكام الدويلات القائمة في بلادنا وممثلي سفاراتها، ولا تصريحات الدول الغربية التي تتكلم وكأننا نسينا الجراحات التي تسببت فيها من دمار واحتلال ونهب لخيرات البلاد الإسلامية.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ محمد عبد الله – ولاية العراق
رأيك في الموضوع