غادر الوفد الوزاري الأردني الأرض المحتلة فلسطين عائداً إلى الأردن بعد أن عقد في مدينة رام الله سلسلة من الاجتماعات واللقاءات مع وزراء من السلطة الفلسطينية تمخضت عن توقيع عدد من الاتفاقيات التي طغى عليها الطابع الاقتصادي، وبالنظر إلى هذه الزيارة وطبيعة الوفد الذي شارك فيها ومدتها يتبين بأن النظام الأردني أولى اهتماما لهذه الزيارة، فما طبيعة هذه الزيارة؟ وما الأهداف التي يراد تحقيقها؟ وهل هي فعلاً جاءت لمساعدة أهل فلسطين والتخفيف عنهم؟
بالنظر إلى هذه الزيارة يتبين أنها جاءت في وقت حساس وظروف سياسية واقتصادية صعبة يعيشها النظام الأردني وبالتالي لا بد من النظر إلى هذه الزيارة ضمن تلك الظروف وهي:
- حالة الغليان في الشارع الأردني بعد توقيع اتفاقية الطاقة الكهربائية مقابل الماء بين النظام الأردني وكيان يهود برعاية الإمارات وتعهدها بتبني المشروع وتمويله لمساعدة الأردن على توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية لتصديرها إلى كيان يهود بمعدل 600 ميغا واط سنوياً مقابل 200 مليون متر مكعَّب من المياه المحلَّاة، وهو ما أغضب الشارع الأردني الذي يدرك أن الهدف من هذه الاتفاقية خدمة كيان يهود وليس حل مشكلة المياه في الأردن وخاصة أن الشعب خبر طبيعة تلك الاتفاقيات التي جلبت له الكوارث مثل اتفاقية وادي عربة.
- حالة الإحراج السياسي التي يعيشها النظام الأردني صاحب الوصاية على المسجد الأقصى في ظل اقتحامات يهود اليومية للمسجد الأقصى، والقرارات المتلاحقة وليس آخرها السماح للمستوطنين بالصلاة في المسجد الأقصى، والوقائع التي يفرضها كيان يهود في القدس والضفة الغربية وهو ما جعل الوصاية الهاشمية وصاية سجاد ورواتب موظفين! وأفقده وزنه وتأثيره في قضية فلسطين وجعل هذا التأثير مهددا بالزوال وجعل وصايته مهددة بالاستبدال.
- الوضع الاقتصادي المتردي جداً في الأردن وارتفاع نسبة البطالة وهجرة رؤوس المال وحالة الركود الاقتصادي وهو ما بات يهدد النظام الغارق في الفساد والديون.
فأراد النظام هذه الزيارة وجعلها ضمن وفد وزاري رفيع ضم وزير الصناعة والتجارة ووزير الطاقة ووزير المواصلات ووزير الاتصالات ورئيس مجلس الوزراء الأردني بشر الخصاونة ليحقق مكاسب اقتصادية وسياسية على حساب قضية فلسطين.
أما الاقتصادية فتمثلت في توقيع عدد من الاتفاقيات تركزت حول زيادة التبادل التجاري المتواضع، حيث بلغت قيمة الصادرات الأردنية إلى السوق الفلسطيني العام الماضي 152.2 مليون دولار فيما بلغت قيمة الصادرات الفلسطينية إلى السوق الأردني 50.5 مليون، فيما يأمل الجانبان أن تصل إلى أكثر من مليار دولار، وقضايا أخرى متعلقة بالبنية التحتية والمواصلات والزراعة وتكنولوجيا المعلومات بهدف تعزيز التعاون بين الجانبين.
وقد جاءت هذه الاتفاقيات الاقتصادية مع السلطة الفلسطينية كترجمة وتطبيق لما تم الاتفاق عليه بين كيان يهود والأردن في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حيث وقعا اتفاقاً يقضي بتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين وزيادة حصة المنتوجات التي يسمح للأردن بتوريدها إلى مناطق السلطة الفلسطينية. وقد أشارت وزارة الصناعة والتجارة الأردنية، في بيان صحفي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر "أنه جرى التوقيع على محضر اجتماع وزاري بين الجانبين الأردني و(الإسرائيلي) لتسهيل نفاذ قائمة من السلع ذات الأولوية التصديرية الأردنية إلى السوق الفلسطينية، وأكد البيان على أن المباحثات قد أفضت أخيراً إلى توافق بشأن قوائم السلع الأردنية الجديدة التي ستتمتع بمعاملة تفضيلية عند النفاذ إلى السوق الفلسطينية وبقيمة سنوية مقدارها 342 مليون دولار أمريكي معفاة من الرسوم الجمركية"، (شينخوا، 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2021).
أي أن ما وُقع مع السلطة جاء عقب تلك التفاهمات وبعد مزيد من التطبيع مع كيان يهود والذي توج فيما بعد باتفاقية الطاقة مقابل ماء، وهكذا يعمل النظام الأردني على تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية بثمن سياسي غالٍ وهو مزيد من التطبيع والتضييع لقضية فلسطين وكذلك جعل مقدرات الأردن في خدمة كيان يهود وتقويته.
أما السياسية فتتمثل في محاولة النظام امتصاص غضب الشارع الأردني بسبب التطبيع، فيريد النظام أن يظهر للشارع أنه لم يتخل عن أهل فلسطين وقضيتهم وأنه يؤازرهم ويوقع معهم الاتفاقيات ويساعدهم في إقامة دولتهم وأنه في اللحظة التي يوقع اتفاقية مع كيان يهود فإنه يوقع مع السلطة عدداً من الاتفاقيات في محاولة منه لذر الرماد في العيون والتنفيس عن الناس، وأيضاً يريد أن يعوض ذله السياسي بسبب صمته وسكوته على ما يحصل في القدس والمسجد الأقصى بتحركات وزيارات واتفاقيات وتصريحات عن مشروع الدولتين الخياني تظهر أنه ما زال صاحب تأثير وله وزن فيما يتعلق بقضية فلسطين وكيفية حلها، وبالتالي الالتفاف على حالة الإحراج السياسي الذي يعيشه كنتيجة لتنصله مما تتطلبه وصايته على المسجد الأقصى من تحرك وحماية ومحاولته الحفاظ على شيء من ماء الوجه والوزن السياسي.
إن هذه الزيارة وما تبعها من اتفاقيات اقتصادية وتفاهمات سياسية جاءت لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية آنية أنانية بعيدة كل البعد عن خدمة أهل فلسطين ودعم قضية فلسطين كما يدعي النظام الأردني، وفوق ذلك فهي أيضاً قابلة للاستغلال والتوظيف من جانب كيان يهود لتعزيز واقع الكنتونات في الضفة وربطها مع الأردن ضمن اتفاقيات اقتصادية وتفاهمات سياسية مستقبلية، وهي أيضاً خاضعة للابتزاز السياسي من كيان يهود ومرهونة بموافقته عليها؛ فهو الذي يمسك بالماء والهواء والموانئ والجسور والمعابر، وهو المتحكم الذي لا يقبل أي اتفاقية تتعارض مع مصالحه ونظرته السياسية للحل، أما جعجعات السلطة عن الانفكاك عن الاحتلال وإلغاء التبعية له فهي أقرب للطرفة منها للتصريحات السياسية، والسلطة تقرأ هذه الاتفاقيات من منطلق المال والواردات والضرائب التي يقتات عليها مشروعها الاستثماري.
إن قضية فلسطين في ظل خيانة النظام الأردني ومنظمة التحرير لم تتوقف عن التدحرج في مشاريع التصفية حتى باتوا يتحركون ضمن مسار الكنتونات التي يريد كيان يهود أن يبقيها للسلطة الفلسطينية ولأهل فلسطين ليرفع عليها العلم ويعزف لها النشيد الوطني! إن قضية فلسطين لا يستوعبها نظام عميل أو سلطة قزمة بل تستوعبها أمة تحمل مبدأ ورسالة عظيمة وهي أمة الإسلام القادرة على تحريرها كما فعلت في حطين وعين جالوت، ولا ينقصها سوى قيادة سياسية مخلصة واعية تمتلك قرارها السياسي والعسكري فتعلن النفير لتحرير فلسطين.
بقلم: د. إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع