منذ منتصف تموز 2021 والاحتجاجات مستمرة في إيران، انطلقت شرارتها في منطقة الأحواز أو خوزستان التي تعاني من شح المياه منذ شهر آذار الماضي، ويشكو أهلها من التهميش والتمييز أيضا لكونهم عربا، وقد اعترف الرئيس الإيراني روحاني بأن "في المنطقة (الأحواز) مشاكل يجب حلها على وجه السرعة"، يصرح بذلك وكأنه ليس رئيس الدولة الذي يجب عليه أن يتحرك بسرعة من أول ساعة لحل مشاكل رعيته! وقد شملت الاحتجاجات مناطق أخرى تضامنا مع الأحواز حتى وصلت العاصمة طهران، وتحولت إلى دعوات سياسية تطالب بإسقاط النظام. وأعلن عن مقتل 4 متظاهرين وضابط شرطة، وجرح الكثيرون واعتقل المئات، وقطع الإنترنت حتى لا يجري التواصل بين الناس للقيام بالاحتجاج. ومثلها احتجاجات اندلعت عام 2019 على شح البنزين وتحولت إلى استياء شعبي واسع، وكذلك احتجاجات انهيار العملة والتضخم وقطع الكهرباء المتكرر.
ذكر العالم والنائب السابق لوزير البيئة الإيراني كاوه مدني المقيم بأمريكا أن "جميع مصادر المياه في البلاد من الأنهار والخزانات والمياه الجوفية بدأت بالجفاف بعد سنوات من سوء الإدارة من النظام الحالي، وأن على إيران التخطيط للعيش مع نقص المياه" (صندي تايمز 25/5/2021). وأقر وزير الطاقة الإيراني بوجود أزمة غير مسبوقة، حتى اضطر مرشد الجمهورية خامنئي إلى القول "لا يمكننا لوم الناس". مما يشير إلى أن الدولة لا تحسن رعاية شؤون شعبها، كيف لا وهي لا تطبق الإسلام إلا في بعض الأمور، ولكن الحكم والاقتصاد والسياسات الداخلية والخارجية والحربية ليست من الإسلام، بل سياساتها قومية ومعالجاتها رأسمالية. عدا التمييز المذهبي والقومي الذي أقره الدستور. ومن هنا لا يشعر كثير من الناس أن هذه الدولة دولتهم أو أنها تحسن رعايتهم وتحل مشاكلهم فيحتجون على ظلمها وتمييزها وسوء رعايتها وتقصيرها.
إن المياه من الأمور الضرورية التي يجب أن توفر للناس، فعلى الدولة أن تبحث عن أسباب المشكلة وكيفية معالجتها بسرعة وبدون تأخر فلا تتركها لأشهر! فإذا جفت الأنهار وشحت المياه الجوفية فيجب عليها تحلية مياه البحر وتقديمها للناس بسرعة. وهناك مصادر كثيرة لإنتاج الكهرباء بجانب النفط، منها الطاقة الشمسية والهوائية. وكل ذلك متوفر في إيران، ولكن يظهر أن الدولة لا تحسن استغلال مواردها وإمكانياتها، فلا تحسن الرعاية ولا تعمل على حل المشاكل من جذورها. وكذلك مشكلة العملة التي تنخفض باستمرار فتهدر أموال الناس وترتفع الأسعار ونسبة التضخم، فهي لا تسند العملة إلى الذهب والفضة كما يقضي الإسلام، فتستقر الأسعار وتحفظ للناس قيمة أموالهم وجهودهم.
إن أي بلد يمكن أن تحدث فيه حالات طارئة وأزمات مختلفة، وإذا كان الناس الذين يحملون تابعيتها يشعرون بعدل الدولة، وحسن إدارتها ورعايتها لهم، وسرعة معالجتها للأزمات وحل مشاكلهم وتلبية احتياجاتهم، ولا تهمش فريقا دون الآخر، ولا توجد محسوبية ومحاباة ولا رشاوى واختلاسات، بل كل من يحمل التابعية له الحقوق نفسها وعليه الواجبات ذاتها، فإنهم حينئذ يتعاونون مع الدولة ويسندونها ويصبرون عليها، لأنها دولتهم حيث تستند إلى سلطتهم وتطبق المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تبنوها، فلا يقومون بحركة احتجاج سلبية هدّامة ودعوة لإسقاط النظام ومجابهته بالسلاح وبأعمال العنف، بل يقومون بمحاسبة الحكام على تقصيرهم أو إهمالهم بشكل إيجابي بنّاء، وبتقديم أفكار ومقترحات ناجعة، ويبذلون الغالي والنفيس في حمايتها لأنها دولتهم وتمثل سلطانهم وتجسد سيادة شرعهم.
إن إيران تنفق أموالها للدفاع عن أنظمة علمانية تابعة لأمريكا، فقد أرسلت جنودها ومليشياتها التي مولتها ودربتها وحزبها في لبنان إلى سوريا لقتال أهلها الذين أرادوا إسقاط النظام العلماني الطاغوتي برئاسة بشار أسد عميل أمريكا. فتدخلت ضد شعب أراد استرداد سلطانه وحكم نفسه بالإسلام الحنيف، فما شأن إيران وأشياعها في محاربة هذا الشعب المظلوم منذ حقبة الاستعمار وما بعدها ووصولا إلى حكم آل الأسد منذ 50 عاما؟! فإذا تدخل أحد في إيران تقيم الدنيا ولا تقعدها، أما هي فتبيح لنفسها قتل شعوب المنطقة كسيدتها أمريكا! وتدخلت في العراق لحماية الاحتلال الأمريكي ومنع تحرره، وحمت النظام العميل الذي أقامته أمريكا، كما دعمت الاحتلال الأمريكي لأفغانستان وهي تستعد لمحاربة الذين يعملون على إسقاط النظام العميل لأمريكا. وتدخلت في اليمن ودعمت الحوثيين عملاء أمريكا. وتدخلت في لبنان ودعمت عملاء أمريكا فركزت ميشيل عون وتياره الفاسد في الحكم بجانب دعمها لحزبها الذي يهيمن على لبنان. وهي تنطلق من نظرة قومية وتثير التعصب الطائفي، ولا يضيرها أن تسير في فلك أمريكا فتنفذ مشاريعها مقابل تحقيق مصالحها القومية. وانعكس ذلك على داخلها من إهمال وتعسف، فأصبحت مكروهة غير موثوقة في الداخل والخارج.
هناك تذمر شديد في إيران من النظام الذي لم يقم على أسس الإسلام، فأية أزمة تحدث تندلع معها شرارة الاحتجاجات وكأن الناس يجابهون دولة احتلال فينتظرون الفرصة للتعبير عن سخطهم على النظام. فإيران لم تطبق الإسلام وادّعت تطبيقه كذبا وزورا، فكانت النتائج سلبية متضاربة، وجعلت الناس ينفرون ويبتعدون عن أحكام دينهم بعدما كانوا متحمسين لتطبيق الإسلام في ثورتهم ضد الشاه، وكانوا يأملون تطبيقه ليحيوا حياة طيبة ويعيشوا عيشا كريما في ظل أحكام الإسلام. وكان المسلمون قاطبة ينتظرون من إيران أن تكون نقطة انطلاق لتوحيدهم وتحريرهم وإنهاضهم في ظل دولة إسلامية واحدة من دون تمييز مذهبي أو قومي، ولكن خيبت آمالهم وزعزعت ثقة البعض المتحمس في قدرة دينهم على حل المشاكل وتلبية حاجات الناس والنهوض بالبلاد متجسدا في نظام يقيم العدل بعيدا عن التعسف والظلم والتمييز، يعيد سيرة الخلفاء الراشدين الذين كانوا يسهرون على رعاية الناس ولا ينامون إذ وجدوا جائعا أو طفلا باكيا أو مريضا متألما ولا ذا حاجة إلا لبوها، ولا يهدأ لهم بال حتى يؤمّنوا كافة الحاجات الأساسية والضرورية للناس ويتيحوا الإمكانيات للحصول على الكماليات، بل يؤمنون حاجات الحيوانات، ويستبدلون الولاة الذين لا يرضى عنهم الناس ولو كانوا عادلين. فيقول الخليفة الراشدي عمر عندما أراد أهل العراق استبدال واليهم "لأُبدِلنّكم حتى ترضوا، ولو هلك حمل من ولد الضأن على شاطئ الفرات ضائعا لخشيت الله أن يسألني يوم القيامة عنه" (مصنف ابن أبي شيبة).
رأيك في الموضوع