(الجزء الثاني والأخير)
أما أمريكا فإن أوزبيكستان وإن كانت ليست قضية مصيرية لها، لكنها دولة مهمة بسبب موقعها الاستراتيجي. لذلك من خلال تضمين أوزبيكستان بالكامل في مجال نفوذها ستتاح لأمريكا الفرصة لخلق مشاكل كبيرة في آسيا الوسطى لكل من روسيا والصين. وعلى عكس روسيا فإن لدى أمريكا مجموعة واسعة من الفرص للتأثير على أوزبيكستان؛ لأنها تمتلك الأذرع مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة حقوق الإنسان. وبالنظر إلى المصالح الأنانية للرئيس ميرزياييف تحاول أمريكا إغراءه بالديون واستثمار ملايين الدولارات وأن تجذبه إليها. ويمكن معرفة هذا من الزيادة الحادة في الدين الخارجي لأوزبيكستان في السنوات الخمس الماضية منذ وصول ميرزياييف إلى السلطة في عام 2016م (http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/radio-broadcast/news-comment/74779.html).
كما تحاول إعداد الكوادر الموالية لأمريكا من خلال إرسال معلمي اللغة الإنجليزية إلى بلدنا في اتجاه ثقافي وفتح منظمات ثقافية مختلفة مثل IREX. (http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/radio-broadcast/news-comment/74978.html).
كما أنها تسعى للتأثير على الحكومة من خلال تشكيل نخبة سياسية موالية للغرب. أما في الاتجاه العسكري فمنذ انسحاب قاعدتها العسكرية من كرشي خان آباد عام 2005 لم تكن هناك فرصة أو حاجة لنشر وحدتها العسكرية. وإن كانت هناك أخبار تفيد بأنها قد تنقل قواتها إلى أوزبيكستان بعد إعلان انسحابها من أفغانستان ولكن هذا غير مرجح؛ لأنه من الصعب القول إن أوزبيكستان دخلت مجال النفوذ الأمريكي بالكامل. علاوة على ذلك من الواضح أن روسيا لن تصمت بشأن نشر قاعدة عسكرية أمريكية إلى جانبها. كما أعربت هي عن رد فعلها الأولي على هذه المسألة. فبشكل عام هكذا يمكن تقييم سياسة هاتين الدولتين فيما يتعلق بأوزبيكستان. وبعد وفاة كريموف تواصل هاتان الدولتان الصراع من أجل أوزبيكستان بوتيرة متسارعة. ولكن حتى الآن لم يتمكن أي منهما من الحصول على تفوق واضح. وإذا تمسكت أوزبيكستان بأحدهما، فيمكن أن نعرف هذا من خلال انضمام أوزبيكستان إلى مشروع كبير لأحدهما، كانضمام أوزبيكستان مثلا إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أو نشر قاعدة عسكرية أمريكية في أوزبيكستان.
إذا تحدثنا بإيجاز عن تغيير السلطة فإن ميرزياييف مثل كريموف؛ لديه أيضا عقلية شيوعية، ولكن على عكس عداء كريموف المبدئي للمسلمين فهو شخص أنانيّ. وفي حين إن الحرب الوحشية على الإسلام والمسلمين كانت هي الاتجاه الأساسي لسياسة كريموف فليس لميرزياييف توجه سياسي واضح؛ لأن المصلحة تأتي أولاً بالنسبة له. لكن هذا لا يعني أنه لن يحارب الدين بل على العكس سيستمر في هذه الحرب وسيختلف في الأسلوب والوسائل فقط! لأنه بغض النظر عما إذا كان ميرزياييف دمية في يد روسيا أو أمريكا فإن كليهما يطالبه بمحاربة الإسلام. فإن هذا هو الشرط الأول للبقاء في السلطة في بلاد المسلمين! وبينما اعتمد نظام كريموف على القوة في هذه الحرب فإن ميرزياييف يسير في طريق المعاملة الحسنة والنفاق للشعب وتحويله إلى جانبه. ويبدو أنه في هذا الصدد يستمع أكثر إلى الغرب؛ لأن هذا أسلوب غربي، وهو الأسلوب الأكثر خطورة.
من الصعب القول إن حكومة ميرزياييف مستقرة الآن؛ لأنه أولاً قدم الانتخابات من تشرين الثاني/نوفمبر إلى تشرين الأول/أكتوبر. إذن هو يحاول أن يُنتخب في وقت مبكر لأنه يخاف من شيء ما. وثانياً هو يضطر للاعتماد بشكل أساسي على القاعدة الشعبية للفوز في الانتخابات. ويتضح هذا من خلال اجتماعاته قبل الانتخابات مع الشعب في جميع أنحاء أوزبيكستان. وهو يتملق للشعب ويتظاهر بأنه مستعد للتضحية بحياته من أجله. وخلال السنوات الخمس التي قضاها في السلطة لم يتغير نظام كريموف تقريبا بل أصبح الوضع في بعض المجالات أكثر صعوبة. وعلى وجه الخصوص بدأ الشعب الذي توقع تغييرات جيدة في المجال الاقتصادي جراء تغيير الرئيس، بدأ يشعر بخيبة أمل لأن الوضع الاقتصادي تدهور أكثر من ذي قبل.
وفيما يتعلق بالدين تحاول الحكومة كبح الصحوة السريعة للمسلمين الناطقين بالأوزبيكية على الإنترنت أو توجيهها في اتجاهها هي من خلال تحويلها عن الاتجاه الصحيح. وهي تستخدم في هذا أئمة السلاطين بشكل أساسي. وتحت قيادتها هناك عدد من الأئمة الذين يتم جعلهم مشاهير بين الشعب عمدا. والحكومة تحاول من خلالهم جعل الأمور مركزية. ومن بينهم من يتحدثون عن جزء من الحقيقة ويخفون البقية بعلم أو بغير علم ويحاولون أن يجعلوا عامة الناس يتبعونهم. فسيصبح هذا بلا شك وزرا ثقيلاً عليهم في الآخرة.
مما سبق يمكننا أن نستنتج أن حكام أوزبيكستان أيضا مثل بقية حكام المسلمين يسيرون في طريق الباطل ويترددون بين الاعتماد على روسيا أو أمريكا. لكنهم نسوا أن الاتكال على الله هو وحده الصواب. ألا ينبغي عليكم أن تخافوا الله بدل الخوف منهما؟ ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
أما بالنسبة للمسلمين في أوزبيكستان فمن دواعي السرور أنهم يتقدمون بسرعة نحو النهضة. ولكن يجب ألا ينخدعوا بعد الآن. فيجب أن يحذروا من مكائد الأئمة الزائفين الذين يبيعون دينهم بمتاع الدنيا الرخيصة ويخدمون بإخلاص سياسة الحكومة ضد الإسلام والمسلمين، فإن رسول الله ﷺ قال: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ».
بقلم: الأستاذ إسلام أبو خليل
رأيك في الموضوع