بينما يبذل المبعوث الدولي لليبيا برناردينو ليون جهوده لجمع الأطراف وإدارة المفاوضات بينها في المغرب لتطبيق خطته، تقوم قوات حفتر بمحاولة إفشالها وكأن تلك المفاوضات لا تعنيه. فتقوم قواته بشن غارات على المطار يوم 15/4/2015 بينما كان وفد حكومة طرابلس يحاول المغادرة للمفاوضات. فأدان المبعوث الدولي ذلك بقوله: «رأينا رسائل سلبية موجهة لهذا الحوار، ولكننا لم نر أبدا غارات جوية في اللحظة التي يقلع فيها أحد الوفود متجها إلى المحادثات في بداية الجولة الأخيرة من محادثات السلام الليبية في المغرب، إنه غير مقبول...». وأدان الاشتباكات التي اندلعت في طرابلس يوم 18/4/2015 حيث يعلن حفتر رغبته بالسيطرة عليها.
فخطة المبعوث الدولي تنص على تشكيل المؤسسات التالية:
حكومة وطنية يرأسها رئيس، ومجلس رئاسي من رئيس ونائبين، ومجلس نواب، ومجلس أعلى للدولة كمؤسسة أساسية على صعيد الحوكمة في الدولة، وهيئة صياغة الدستور، والاتفاق على آلية للتعاون بين هذه المؤسسات لتحقيق التوافق، ومجلس أمن قومي، ومجلس بلديات. وهاتان النقطتان الأخيرتان تطبقان خلال المرحلة الثانية للمباحثات، ويتم تمديد فترة عمل هذه الهيئات خلال المرحلة الانتقالية الجديدة وتنتهي بعد الموافقة على الدستور وإجراء الاستفتاء.
فهذه الخطة تؤسس لنظام مخالف للإسلام، وتابع للغرب لتأمين نفوذه ومصالحه، وإخراج دستور غربي ليدار البلد حسب أفكار الكفر وأنظمته وقوانينه كما كانت على عهد القذافي.
إن برناردينو ليون عُيِّن كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة في 14/8/2014، وهو أصلا مبعوث أوروبي، إذ عُيِّن مبعوثا خاصا للاتحاد الأوروبي منذ أيار 2014. فبذل جهده لفرض الحل السياسي قبل انتهاء مهمته في آذار 2015 وقبل تمديدها حتى 15/9/ 2015 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2213. فهو يعمل لحساب أوروبا بتطبيق الحل السياسي.
وقفت بريطانيا في مجلس الأمن وعرقلت قرارا يقضي بتسليح حكومة طبرق أي قوات حفتر عميل أمريكا ويجيز التدخل العسكري الذي تسعى أمريكا لتنفيذه مباشرة أو بواسطة مصر السيسي.
فبريطانيا تعمل على إسناد نفوذها في ليبيا بالاتحاد الأوروبي حيث أصدر بيانا يوم 16/3/2015 قال فيه: «إن الفشل في التوصل لاتفاق سياسي سيعرض وحدة ليبيا للخطر.. بمجرد التوصل لاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية وترتيبات أمنية ذات صلة سيكون الاتحاد الأوروبي على استعداد لتعزيز دعمه لليبيا».
وتستخدم دول الخليج التابعة لها لتعزيز موقفها، ولذلك اتهم أوباما هذه الدول يوم 17/4/2015 قائلا: «سيتعين علينا أن نشجع بعض الدول داخل الخليج التي أعتقد أن لها نفوذا على الفصائل المختلفة داخل ليبيا حتى تصبح أكثر تعاونا. وفي بعض الحالات شهدناها تلهب نيران الصراع العسكري بدلا من محاولة تهدئتها».
وتعمل على إسناد موقفها وعملائها في ليبيا بواسطة دول تونس والجزائر والمغرب حيث لها نفوذ سياسي قوي فيها. فرفضت هذه الدول الحل العسكري وأعلنت دعمها للحل السياسي.
فبريطانيا صاحبة النفوذ السياسي القوي في ليبيا قد فرضت سيطرتها على ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية وأقامت هناك نظاما ملكيا ومن ثم استبدلت به النظام الجمهوري عندما جاءت بالقذافي عام 1969 ليقف في وجه حملة أمريكا التي كانت تقودها بواسطة عبد الناصر للسيطرة على المنطقة ومنها ليبيا.
عملت أمريكا على تنفيذ الحل العسكري، فبعث رئيسها أوباما برسالة إلى الكونغرس يوم 23/2/2015 ليحصل على دعمه يقول فيها: «إن الوضع في ليبيا ما زال يمثل تهديدا غير عادي واستثنائي للأمن والسياسة الخارجية للولايات المتحدة». يفهم من رسالته أن وضع أمريكا في ليبيا حرج، فهي ليست في موقع قوي هناك وعملاؤها ليسوا أقوياء، وهم يتمثلون بحركة حفتر ليس أكثر، وقد طردوا من العاصمة طرابلس ولم يستطيعوا أن يعودوا إليها حتى الآن، ولم يتمكنوا من السيطرة على بنغازي. ولذلك فإن التدخل العسكري يخدم مصالح أمريكا وينقذ عملاءها ليستمروا في خدمتها. وقد حاولت استغلال قتل الأقباط لأخذ تفويض دولي يسمح لمصر بالتدخل هناك بحجة محاربة الإرهاب والانتقام لمقتلهم.
تراجعت أمريكا حاليا بسبب المعارضة للتدخل العسكري ولم تستطع استصدار قرار في مجلس الأمن فقالت بالحل السياسي، فقال رئيسها بعد الاجتماع مع رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينتسي في البيت الأبيض يوم 17/4/2015: «إن أي عمل عسكري خارجي لن يكون كافيا للمساعدة في تخفيف التوترات في هذا البلد الذي تمزقه الحرب. هناك حاجة لحل سياسي في الدولة الغنية بالنفط المطلة على البحر المتوسط حيث تتقاتل حكومتان متنافستان من أجل السيطرة على البلاد». فأمريكا تظهر أنها ليست ضد الحل السياسي في الوقت الذي تدعم عميلها حفتر ليقوم بالأعمال العسكرية لتحقيق سيطرة على الأرض حتى لا يحصل حل سياسي لا يوافقها، وتبقي المفاوضات تراوح مكانها حتى تحين الفرصة لتعزيز موقفها وجعل الحل السياسي يتجه لصالحها، وأوروبا ستعمل على إرضاء أمريكا حتى تتمكن من تحقيق خطتها.
فالصراع في ليبيا بين أمريكا وبين أوروبا وخاصة بريطانيا التي تجلب دول أوروبا معها وتغريها بالامتيازات لشركاتها كما كانت على عهد القذافي. فهو صراع بين المستعمِرين على بلد إسلامي أهله مسلمون. مع العلم أن الصراع يجب أن يكون بين المسلمين وبين الكفار المستعمِرين لطردهم، لا أن يكونوا وقودا للصراع بين الكفار المستعمرين.
ولذلك سوف تستمر الأزمة إلى أن يتغلب أحدهم؛ أي أن تتغلب أمريكا أو أوروبا، أو ترجح كفة أحدهما ليفرض رأيه على الآخر، أو أن يتفقا على حل يكون لأمريكا فيه حصة تعادل حصة أوروبا على الأقل، أو أن يتمكن المسلمون من إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وإعادة ليبيا إلى وضعها الأصلي كجزء من هذه الدولة.
رأيك في الموضوع