لطالما تغيرت وتبدلت أساليب الكفار في هجومهم على الإسلام والمسلمين، ابتداءً من كفار قريش، مرورا بالحروب الصليبية، وانتهاء بالغرب المستعمر وحربه على الإسلام التي سماها (الحرب على الإرهاب)، ولم تكن أي من هجماتهم صراعا فكريا بين حضاراتهم البشرية والحضارة الإسلامية الإلهية، فالحضارات البشرية - ومنها الحضارات الأوروبية التي غُلّفت بغلاف الدين النصراني - لم تقو أي منها على محاجّة الإسلام بالفكر والعقل، لذلك كانت دائما تلجأ إلى شن الحروب العسكرية (ومنها الحملات الصليبية واستعمار العالم الإسلامي)، والتضليل، والكذب، والافتراء على الإسلام والمسلمين. ولم يستطع الكافر المستعمر - وخصوصا مؤخرا - إخفاء كرهه وعدائه للحضارة الإسلامية، على الرغم من محاولاته في تبرير تعدياته وتغليف عدائه بغلاف برّاق مزيف، من مثل الحرية وحقوق الإنسان والعدالة. على الرغم من تحدي الإسلام وحملة دعوته المبادئ البشرية فكريا والدعوة إلى المناظرة العقلية، إلا أن الغرب وأصحاب الديانات المحرّفة لم يقبلوا يوما بهذا التحدي، ولجأووا دائما إلى غير ذلك للنيل من الإسلام وأهله، فصدق فيهم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في أوائل العقد الأخير من القرن الماضي، وفشل المبدأ الاشتراكي وسقوط دولته، خلت الساحة العالمية من أي مبدأ مطبّق أو قابل للتطبيق سوى الرأسمالية والإسلام، ولم يبق للغرب منافس حضاري إلا الإسلام، وحيث إن الغرب كان مطبّقا للمبدأ الرأسمالي اتخذ الإسلام عدوا له وبدأ بتركيز هجومه عليه بشتى السبل، فتحدث الكاتب الأمريكي صامويل هنتنغتون في كتابه "صراع الحضارات" عن صراع الحضارة الرأسمالية مع الحضارة الإسلامية، وحاول إظهاره كصراع فكري في محاولة منه مساواة الحضارة الغربية بالإسلام، بل وقدرة الأولى على هزيمة الثانية، بينما الصراع على أرض الواقع لم يكن كما ذكر الكاتب أو تمنى المسلمون أن يكون، بل كان هجوما عسكريا وسياسيا أمنيا شرسا من الغرب وعملائه في البلاد الإسلامية ضد الإسلام وحملة لواء نهضته؛ وتحديدا ضد "الإسلام السياسي" مؤخرا.
لكي يبرر الغرب هجومه غير المقبول عند الشارع العام، لجأ لافتعال عمليات تفجيرية وجرائم قتل هنا وهناك وإنشاء حركات مشبوهة بين المسلمين تستهدف المدنيين في الغرب والبلاد الإسلامية وتهدد أمنهم، كل ذلك حتى يبرر لنفسه هجومه على من يهدد وجوده الحضاري، كما جاء في كتاب "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكوياما، الذي كان يرى تفرد المبدأ الرأسمالي في العالم دون منازع، وعدم القبول بظهور مبدأ آخر غير الرأسمالية، لذلك احتل الغرب أفغانستان والعراق وقتل من أهلهما الكثير، وبطشت الأجهزة الأمنية في مختلف بلاد المسلمين واقتحمت كل بيت تقام فيه الصلاة، حتى بات بعض الناس يصدّقون أن إسلامهم الحنيف دين إرهاب ورعب!
لم يدم هذا الحال طويلا حتى تكشّف للناس جميعا وخصوصا المسلمين، أن الغرب هو مصدر الإرهاب وأمه وأبوه! وازداد المسلمون ثقة بإسلامهم، وتبيّن لهم أن الأنظمة التي تحكمهم هي أنظمة كفر عميلة للغرب، فخرجوا ضدها يطالبون بإسقاطها وإقامة حكم الإسلام على أنقاضها، فارتبكت عقول مفكري الغرب حيرة وضلالا وعجزا بماذا يمكنه أن يدفع هذه الأمة ودينها الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فراح يقوم بأعمال صبيانية عدائية لم تخطر حتى على عقول جاهلية العرب، فجاهلية العرب حاولوا الإتيان بمثل آيات القرآن، واتهموا سيد الخلق محمداً ﷺ بالسحر، وأنه يأخذ القرآن عن حبر يهودي… الخ، أما الغرب فكان أكثر سفاهة وسخافة، فراح يرسم رسوما كاريكاتورية مسيئة لسيد الخلق محمد ﷺ لا تنم إلا على إفلاسه الفكري والحضاري وحقده العميق على المبدأ الذي عجز عن النيل من أي شيء منه؛ واستغل مؤخرا جائحة كورونا لإغلاق الحرمين الشريفين في بلاد الحجاز والمساجد في مختلف بلاد المسلمين، والسخرية هي ظنه أنه بإغلاق الحرمين والمساجد يكون قد انتصر على الإسلام، لكن هذه الأعمال لا تزيد المسلمين إلا إصرارا وتمسكا بدينهم، وحنقا على الأنظمة العميلة التابعة للغرب، وبالتالي الخروج عليها والإطاحة بها وإقامة شرع الله على أنقاضها. ولجوء الغرب إلى مثل هذه الأعمال هو تماما كمن يجمع أوراقا بيضاء وهو يظنها أوراقا مالية ﴿سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾.
لقد بات من نافلة القول أن سبب اعتداء الغرب وهجماته المتكررة والمتنوعة على الإسلام والمسلمين ومقدساتهم هو من جانب بسبب إفلاسه الفكري وطبيعته العدائية اللاإنسانية، ومن جانب آخر عدم وجود الكيان السياسي والحاكم المسلم الذي يمثّل الحضارة الإسلامية ويحمي الإسلام والمسلمين من كل معتد، مصداقا لمقولة: "الدين أس والسلطان حارس، فما لا أس له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع". لذلك توالت هجمات الغرب على الإسلام منذ سقوط الكيان السياسي الذي كان يجمع المسلمين ويذود عن حياض الإسلام ومقدساته، منذ غياب الحاكم الذي يبدأ كلامه مع السفهاء بـ"يا ابن الكافرة"، وما لم يعد مجد الإسلام بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فإن الغرب الكافر لن يتوقف عن أذية الإسلام والمسلمين، وصحيح أنه لن يفلح في النيل من الإسلام والمسلمين ولكنه سيظل يحاول حتى تأتي الخلافة الراشدة وتؤكد على فساد حضارته وتقطع أيدي وألسنة كل أفاك أثيم. قال رسول الله ﷺ«وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِه» صحيح البخاري.
رأيك في الموضوع