تميز رئيس فرنسا الحالي ماكرون بمناهضته السافرة لوجود المسلمين في أوروبا وفي بلاد الغرب عامةً، بل وبعدائه الشديد العلني والمكشوف للإسلام نفسه. فمنذ وصوله إلى قصر الإليزيه وهو يتطاول على الإسلام والمسلمين بطريقة استفزازيةٍ دنيئة، إذ بعد استخدامه وصف "الإرهاب الإسلامي" عدة مراتٍ في خطاباته، ها هو اليوم ينحت توصيفاً أقوى وأكثر تحريضاً بقوله "إن الإسلام في العالم اليوم يعيش أزمة" كما كشف عن خطة عمل سوف يجري وضعُها وقوانين سيتم سنها وتنفيذها لمواجهة الدين الإسلامي بكل صرامة، مدعياً في الوقت نفسه أن حربه ليست على الإسلام. فهل هذا التصعيد في الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في هذا الظرف أتى لتمرير قوانين وإجراءاتٍ ذات طابع عنصري ضد المسلمين في فرنسا، خاصةً وهو يأمل أن تحذو حذوه باقي دول أوروبا وغيرها، أم أنه جاء في هذا الظرف عقب الاعتراف بفشل الخطوات الإصلاحية لدمج المسلمين بالمجتمع في فرنسا، بالإضافة إلى محاولة ماكرون اليائسة لاستعادة ما فقده من شعبية أمام اليمين المتطرف استعداداً للانتخابات الرئاسية عام 2022م؟ فمن المأزوم؟
هذا وقد عبّر ماكرون مراراً عن خيبة أمله في الإعلام الغربي وخاصةً الأمريكي بالتأكيد على أنه لم يقف مع فرنسا كما يجب، متهماً صراحةً الإعلام الناطق بالإنجليزية بشرعنة العنف، وواصفاً الإعلام الأمريكي بالتباطؤ عن إظهار التضامن مع "الجمهورية الفرنسية المحاصَرة" بقوله: "عندما هوجمت فرنسا قبل خمس سنوات، وقفت معنا كل أمم العالم. والآن أرى عدةَ صحف من دولة تشاركنا نفسَ القيم، منها دولة هي وريثة للتنوير ولقيم الثورة الفرنسية، ومع ذلك أرى هذه الصحف تُشَرعن العنف، وتقول إن فرنسا هي سبب المشكلة لأن عندها عنصرية وإسلاموفوبيا! وهذا يجعلني أقول إن القيم التي تأسست عليها هذه الدولة (أمريكا) قد تلاشت". وهذا يعني أن ماكرون يريدها حرباً لا هوادة فيها على الإسلام والمسلمين.
ومن جانب آخر فقد حذر وزير الداخلية الفرنسي وأكد على الأمر ذاته مهدداً بقوله: "إن الآباء الذين يتجرؤون على طلب ألا يقوم المدرس بعرض الرسوم المستهزئة والمسيئة للإسلام ونبيه سيتم تجريمهم، وقد يتم ترحيلهم من فرنسا!"، وذلك حسب قانون تعكف الوزارة الآن على صياغته ثم استصداره. هذا وقد تُسن قوانين تشرعن إبقاء الأطفال بعد طرد الآباء، ليتسنى للدولة بعد ذلك تربيتهم على نهج وقيم علمانية فرنسا كما تشاء. وإذ يفاخر وزير الداخلية بأنه في عهد ماكرون تم إغلاق 43 مسجداً، أكد في كلمة أمام البرلمان الفرنسي على أن بلاده بحاجة إلى قانون لمحاربة ما أسماه "الإسلاموية" وليس الإرهاب، ما يعني أن مشكلتهم - علناً - لم تعد مع "الإرهاب"،كما كانوا يدعون، بل مع الإسلام نفسه!!
وفي الوقت الذي يبحث فيه البرلمان الفرنسي مسألةَ تجريم من يتداول بسوء صور المسئولين في الدولة، فإن الإساءةَ والسخرية الدنيئة من نبينا محمد ﷺ يجري التأكيد في فرنسا الرسمية على أنها من حرية التعبير والإعلام! وهذا لا يعني سوى أن فرنسا برئيسها ووزرائها وبرلمانها وكل مثقفيها حرب على الإسلام والمسلمين وليست هي مجرد حملة انتخابية لاستعادة شعبية رئيس انفصامي شاذ مأزوم. وقد أعلنت الداخلية الفرنسية عن تخصيص خط اتصال ساخن تحت اسم "محاربة التطرف الإسلامي"، ما يعني أن مسألة محاربة الإسلام والمسلمين في فرنسا باتت منهجاً متبعاً على المكشوف.
وتجدر الإشارة إلى ما حصدته فرنسا من هذا الصلف والوقاحة وما جناه عليها رئيسُها المهزوم الذي يريد تغطية فشله السياسي وكسب جولة انتخابية برفع شعارات صليبيةٍ معادية للإسلام والتطاول على سيد الخلق محمد ﷺ، ألا وهو هبة جديدة من المسلمين لنصرة دينهم ونبيهم صلى الله عليه وآله وسلم رغم ما أصابهم من قرح في السنوات الأخيرة جراء ما جلبته الثورات الأخيرة من خيبات وتداعياتها على المسلمين مروراً إلى موجة التطبيع مع كيان يهود وما في ذلك من تحدٍّ لمشاعر المسلمين عبر العالم وما لحق بالأمة من خيبة أمل كبيرةٍ في الكثير من القادة والرموز وحتى ممن يسمون علماء، وما انجر من نكسات على العديد من الجماعات الإسلامية الجهادية منها خاصةً وحركات العمل الإسلامي عامةً، وما تبع ذلك من تشديدٍ للقبضة الأمنية في داخل مختلف البلاد الإسلامية، يضاف إلى ذلك كله تداعيات جائحة وباء كورونا وما رافقها من أزمات جديدة وشديدةٍ على المسلمين على الصعيد النفسي والمعيشي والاقتصادي.
فكان مرجوّاً ومتوقعاً عند الأعداء أن تمر أفعالُ فرنسا الشنيعة والدنيئة في هذا الظرف العصيب دون ردود أفعال تذكر من أبناء هذه الأمة الكريمة المنهكة، لكن مع ذلك فإن المسلمين انتفضوا وثاروا في العديد من الأقطار وعبروا بقوة، رغم أن الرد على فرنسا الحاقدة لم يكن على المستوى المطلوب (مكتفين بالمقاطعة)، ولا في الاتجاه الصحيح بسبب تبعيةِ وخنوع الساسة وحكام البلاد الإسلامية المكبلة. هذا من أمة ممزقة تنخرها القوميات والأحزاب الضالة المضلة والعصاباتُ الحاكمةُ ويخذلها علماء وعملاء منبطحون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة. فماذا لو كان سلطان الإسلام قائماً ممثلاً في خليفة المسلمين، وهو ما كان يجب إعلانه فوراً وإقامته دون إبطاء ولو في بعض بلاد المسلمين، وكيف سيكون عندئذ رد الفعل الذي يفرضه الإسلامُ، والذي سيطيح دون شك بأنظمة حكم كاملةٍ من أجل نصرة الإسلام والمسلمين والذود عن شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته التي جاء بها رحمةً للعالمين؟ وهل كان سيجرؤ ماكرون أو سواه على فعلته أصلاً؟
بقلم: الأستاذ عادل عبد الستار – الجزائر
رأيك في الموضوع