على خلفية الأحداث الأخيرة في منطقة الكركارات، عاد أحد الأسئلة القديمة الجديدة إلى السطح وهو: لماذا تؤيد الجزائر جبهة البوليساريو الانفصالية؟ وما هي مصلحتها من وراء الخصومة مع المغرب؟ وهل تستحق ما تسمى قضية جبهة البوليساريو أن تعادي الجزائر من أجلها دولة المغرب؟
المبررات المتداولة بين الناس في أحاديثهم تدور حول أمرين:
1- خلافات وحزازات شخصية بين حكام الجزائر وحكام المغرب.
2- تريد الجزائر الحصول عبر جبهة البوليساريو ودويلتها المرتقبة، على منفذ على المحيط الأطلسي.
ولمحاولة فهم هذا نقول:
1- صحيح أن الخلافات الشخصية قد تشعل المشكلة، ولكن استمرارها لعقود وتحوُّلها إلى شبه عقيدة عسكرية عند الطرفين يوحي أن الأمر أكبر من خلافات شخصية ومماحكات.
2- الدعم الجزائري للبوليساريو مثير للريبة، فمقر الجبهة ومركز نشاطها وهو تيندوف (1800 كلم جنوب غرب الجزائر العاصمة، حوالي 65 كلم مربع) أقرب إلى مخيم لاجئين، أو مدينة مهمشة مكونة من دور متناثرة في الصحراء يغلب عليه الفقر، ونشاط الجبهة الإعلامي خافت وشبه معدوم، وجيش الجبهة جيش فقير التسليح وفي حالة موت سريري منذ ما لا يقل عن 30 سنة، فأين هو هذا الدعم وما هي تجلياته؟ علماً أن الدولة الجزائرية دولة غنية وتملك من الإمكانيات ما يمكنها من إصلاح وضع الجبهة إن كانت جادة فعلاً؟
3- تتمتع الجزائر بساحل طويل على البحر الأبيض المتوسط يفوق الألف كيلومتر، وخطوطها للملاحة البحرية مع أوروبا قصيرة وميسورة، وكل هذا يجعل حاجتها إلى منفذ على المحيط الأطلسي ثانويا وليس أساسياً يستحق إشعال حرب من أجله. وحتى إن كانت الجزائر ترغب فعلاً في الحصول على ممر إلى المحيط الأطلسي، وهذا هو ما يدفعها لتبني جبهة البوليساريو، فما الذي يمنعها من طلب ذلك من المغرب بكل بساطة، ولماذا سيرفض المغرب مثل هذا الطلب إن كان سيتم في إطار صفقة يستفيد منها الطرفان؟ للإشارة فإن أنابيب الغاز الجزائري تعبر إلى إسبانيا مخترقة المغرب لمسافة حوالي 500 كلم منذ حوالي 24 سنة دون أية مشاكل. فلماذا يقبل المغرب مرور هذه الأنابيب في الشمال، ويرفض إعطاء ممر تجاري آخر للجزائر في الجنوب، إن كان في الأمر مصلحة اقتصادية مشتركة؟
إذن فالمسألة أكبر من صراع محلي وخلاف ضيق بين المغرب والجزائر، ولكنه في الحقيقة، مثل معظم الصراعات في بلاد المسلمين، صراع دولي بأدوات محلية.
فالبوليساريو تم إبرازها بإرادة أمريكية، منذ أوصت بعثة تقصي الحقائق الأممية بإيعاز من أمريكا في 09/06/1975 باستقلال الصحراء عن إسبانيا وأشارت إلى أن منظمة البوليساريو هي الحركة المسيطرة في الإقليم وأن لها تأثيراً معتبراً فيه، وبعد ذلك في 21/11/1979، حين تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة تأكيد الحق المشروع للشعب الصحراوي في تقرير مصيره واعترفت بالبوليساريو ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الصحراوي. وكانت الغاية من دعم الجبهة ولا تزال، أن تكون حصان طروادة يسمح لأمريكا بالوجود في المنطقة، تحت غطاء الأمم المتحدة وجهودها لفض النزاع، وانتزاع المغرب والجزائر من النفوذ الأوروبي الذي لا يزالان يرزحان تحته منذ حقبة الاستعمار. والمماطلة الأمريكية في البت في هذا الصراع (والتي تجلت في عدد من الأمور أهمها التغيير شبه الدوري وغير المبرر للمبعوث الأممي)، دليل واضح أن الهدف الذي أنشئ من أجله الصراع لم يتحقق بعد، وأن أمريكا تطيل أمده إلى حين تحقيق غايتها منه وتسخنه أو تبرده حسب حرارة العلاقات مع المغرب والجزائر.
أما الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو فهو أقرب لعناق الموت من الدعم الحقيقي، فتحت ستار الدعم تتم محاصرة الجبهة والتحكم فيها وإبقاؤها تحت الجناح الجزائري وبالتالي الأوروبي، لمنعها من الارتماء في حضن أمريكا.
أما عن الأحداث الأخيرة في الكركارات، فعلى الأغلب أنها لن تتطور، وستبقى في إطار محدود، فلا أحد يرغب في إشعال عاصفة عارمة في المنطقة، فالمغرب والجزائر يعملان كصمام للتحكم في الهجرة غير الشرعية من أفريقيا نحو أوروبا، وكلاهما يقوم بجهد استخباراتي واسع ضد الحركات الجهادية في منطقة الصحراء، وفي بلديهما، وبين أوساط الجالية المسلمة في أوروبا، ولا أحد في أوروبا يرغب في أن ينشغل البلدان في نزاعات داخلية تُضعفهما عن القيام بالأدوار الموكلة إليهما.
والخلاصة، أنه في الوقت الذي تعجز التكتلات الكبرى عن مسايرة التحولات السياسية والاقتصادية المتسارعة في العالم، وفي الوقت الذي يجب أن يعمل فيه المسلمون لتوحيد دويلاتهم في كيان واحد لكي يستطيعوا مناطحة الدول الكبرى وكفّ أيدي الطامعين، لا يزال للأسف بعض الجهال والمخدوعين من أبناء المسلمين ينادون بإقامة دول هزيلة، مشاريع دول فاشلة، لتقسيم المقسم وتفتيت المفتت.
إن وجود أكثر من كيان سياسي للمسلمين هو حرام شرعا، وشق عصا المسلمين جريمة جعل الشرع عقابها الإعدام، قال ﷺ: «إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ أَوْ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ».
فالواجب توحيد المسلمين وليس المزيد من تفتيتهم وشرذمتهم، وهذه دعوتنا لكل المسلمين جماعات وأفرادا أن هلمَّ للعمل الفكري السياسي المبدئي الجاد لجمع شمل المسلمين في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة تكون:
- السيادة فيها للشرع وليس للشعب
- والسلطان للأمة، فالحاكم يبايع بيعة شرعية من المسلمين عن رضا واختيار لحكمهم بكتاب الله وسنة رسوله
- ولا يتعدد الحكام في دولة الخلافة وإنما ينصب عليها خليفة واحد، فدولة الخلافة دولة وحدة وليست اتحادا
- والخليفة يطبق الإسلام العدل، فيتبنى الأحكام ويسن القوانين باجتهاد شرعي صحيح ويرفع الخلاف
إنه لحري بمن أفنى عمره وسخر جهده أداة قتل وتخريب وسكين فصل بيد الكافر المستعمر أن يعود لحضن أمته ويقضي نحبه عاملا لوحدة الأمة الإسلامية في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ خالد رضوان
رأيك في الموضوع