الطبع كما جاء في لسان العرب هو السجيّة، والطبيعة هي السجيّة التي عليها الإنسان، وطبّعه أي جعله على سجيّته، ومدلول التطبيع في الاصطلاح لا يبتعد كثيراً عن المدلول اللغوي، فهو إعادة العلاقات بين طرفين مُتعاديين إلى وضعها الطبيعي، أي إلى الوضع الذي ينتفي فيه الصراع والمعاداة، ويُقابل ذلك في الشرع الموالاة، إذ إنّ التطبيع معنى من معانيها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 51]، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: "ينهى تعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله، قاتلهم الله، ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض، ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك فقال: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾".
وتعني الموالاة مع كيان يهود من ضمن ما تعني الأمور التالية:
1- الإقرار بحق كيان يهود القانوني والشرعي بالوجود على أرض فلسطين، والتنازل له عن فلسطين أو مُعظمها، وعدم مُطالبته بإرجاع الأراضي التي اغتصبها عام 1948 على الأقل، وهي تعادل 80% من مساحة فلسطين، بل وعدم مُطالبته بإرجاع أي أرض وفق صيغة: "السلام مُقابل السلام" وليس وفق صيغة "الأرض مُقابل السلام" المعروفة، علماً بأن كلتا الصيغتين فيهما معنى التنازل الخياني عن الأرض.
2- الصلح الدائم معه وهو ما يعني إنهاء حالة الحرب الذي ينتفي معه أي قتال.
3- إنهاء حالة المقاطعة مع كيان يهود والانفتاح عليه بما يشمل إنشاء علاقات دبلوماسية واعتماد سفارات وإقامة علاقات ثقافية واقتصادية وتجارية وأكاديمية ورياضية وغيرها...
4- فتح الأسواق العربية أمام بضائع كيان يهود وتدفق الاستثمارات عليه.
5- تمكين كيان يهود من استخدام الأجواء والمرافئ والموانئ بكل حرية.
6- منع أي شخص أو جماعة أو كيان يريد الانخراط في قتال الكيان والوقوف ضدهم.
7- مُحاربة الفكر الجهادي في الأمّة.
8- الدخول مع كيان يهود في تحالف استراتيجي وتكتلات دولية ضد مجاميع أو كيانات إسلامية بحجة مُحاربة (الإرهاب).
وبالتدقيق في هذه المعاني نجد أنّ الاعتراف بكيان يهود يسبق التطبيع، فالاعتراف هو الممهّد والتطبيع هو النتيجة، وكلاهما خيانة وتفريط في الأرض والحقوق، ويؤدّيان إلى الهدف نفسه.
والاعتراف بكيان يهود والتطبيع معه يختلف عن الاعتراف والتطبيع مع أي كيان آخر، لأنّ هذا الكيان قد اغتصب أرضاً من مقدسات الأمة ومس عقيدة كل شعب من شعوبها؛ ففلسطين أرض الإسراء والمعراج هي أرض مقدسة وليست كأي أرض أخرى، وهي لكل المسلمين في الدنيا قاطبة، ولكل مسلم حق وحظ فيها، وقدسيتها لا تختلف عن قدسية مكة والمدينة، لذلك كان الدفاع عنها كالدفاع عنهما فالقدسية واحدة والدفاع واحد.
ومن جهة أخرى فإن قتال المغتصب الذي اغتصب أي شيء واجب شرعي متواصل حتى يعيده، فكيف الحال إذا كان الذي تمّ اغتصابه وطناً؟!
والله سبحانه وتعالى قد حرّم بشكلٍ خاص أي شكل من أشكال الموالاة مع مغتصب الديار بقوله: ﴿إنّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8]، وهؤلاء المغتصبون ليسوا قوما عاديّين بل هم من قال فيهم القرآن: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾، فموالاتهم فيها تعارض صريح مع النص القرآني، وهم أيضاً الذين وصفهم القرآن بأنّهم إذا أوتوا الحكم فهم لا يُعطون الناس نقيراً، قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً﴾، وهذا دليل آخر على حرمة موالاتهم وعلى خسارة من يواليهم في الدنيا والآخرة.
لذلك كانت موالاة كيان يهود في هذه الأيام لا تجلب لمن يواليهم سوى الخسران المبين والطرد من رحمة الله، والدليل على ذلك ما حصل لمصر والأردن بعد الصلح؛ فقد ازدادا تخلفاً وفقراً، وتراجعاً على كل المستويات.
والاعتراف بكيان يهود هو أس البلاء وأصل الداء، وهو المقدمة للتطبيع، ولذلك لا فرق فيه بين مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وبين الإمارات والبحرين وتركيا فكلهم في الخيانة سواء...
رأيك في الموضوع