لم يمر على البشرية في العصر الحديث جريمة ببشاعة جرائم الصرب في يوغوسلافيا، حيث اقترفت مختلف الجرائم البشعة بحق المسلمين فيها، وما جعلها الأكثر بشاعة في التاريخ، هو أنها جرائم حصلت تحت سمع وبصر المجتمع الدولي قاطبة، حيث كانت تبث الصور والأفلام المصورة بشكل يومي على شاشات التلفزيون والصحف المطبوعة، ولم يحرك المجتمع الدولي ساكنا لنصرة المظلومين في البوسنة والهرسك، ما جعل المجتمع الدولي، ومنه الدول العميلة القائمة في البلاد الإسلامية، متواطئة وشريكة في الجريمة، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: «وعِزَّتِي وجلالِي لَأنْتقِمَنَّ من الظَّالِمِ في عاجِلِهِ وآجِلِهِ، ولأَنْتَقِمَنَّ مِمَّنْ رَأَى مَظلُوماً فقَدَرَ أنْ يَنصُرَهُ فلمْ يفعلْ».
بدأت جرائم الصرب في البوسنة والهرسك إثر تفكك الاتحاد اليوغسلافي، حيث أعلنت مقدونيا وسلوفينيا وكرواتيا استقلالها، لكن الصرب الذين كانوا مدعومين من روسيا وأوروبا الصليبية، رفعوا شعار إعادةِ بناء يوغسلافيا جديدة تضمن هيمنتهم على الأعراق الأخرى، التي ظلت تعيشُ في كنفِ الاتحاد اليوغسلافي منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. وفي هذا السياق طمح المسلمون في البوسنة، على غرار القوميات الأخرى، إلى الاستقلال، لكن أوروبا وروسيا ومعهم الصرب استكثروا عليهم ذلك بحجة أنَّ دولة المسلمين المأمولة ستقوم على حساب وجودٍ صربي مهم في البوسنة، ولا يمكن أن يسمحوا بقيام كيان للمسلمين في قلب العالم الصليبي، واندلعت حربٌ دامية استمرت من عام 1992 إلى 1995م وخلَّفت أكثر من ثلاثمئة ألف قتيل ومئات الآلاف من المشردين والنازحين غالبيتهم الساحقة من المسلمين، وفق أرقام الأمم المتحدة، في ظل صمت من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا.
لقد دأب الكفار على النيل من المسلمين كلما لاحت لهم الفرصة، ولعدم وجود الرادع العقائدي أو الأخلاقي أو حتى الإنساني عند الكفار، فإنهم يتمادون في جرائمهم إلى أبعد الحدود، وقد كانت مجزرة سربرينيتشا أبشع تلك المجازر، حيث يذكر أن القوات الصربية بقيادة راتكو ميلاديتش دخلت بلدة سربرينيتشا في 11 تموز/يوليو 1995م بعد إعلان الأمم المتحدة أنها منطقة آمنة، وارتكبت القوات الصربية خلال أيام إبادة جماعية راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف مسلم تراوحت أعمارهم بين السابعة والسبعين عاما، وذلك بعدما قامت القوات الهولندية العاملة هناك بتسليم عشرات الآلاف من البوسنيين إلى القوات الصربية لذبحهم.
إن الأبشع من القتل هو الاغتصاب، فالأعراض عند المسلمين مقدمة على الروح والدم، والكفار يعلمون ذلك جيدا، لذلك لم تكن الحرب في البوسنة حرباً على السيادة فقط بل كانت حربا حضارية، بين الإسلام والكفر في المقام الأول، لذلك عمد الصرب مدعومين من أوروبا الصليبية وروسيا القيصرية على انتهاك أعراض المسلمين بأبشع الصور، فلا تزال الفنادق والمستشفيات في البوسنة والهرسك التي تمت بداخلها عمليات اغتصاب وتعذيب للمرضى النساء المسلمات شاهدة على تلك الجرائم، إذ استخدم الجنود الاغتصاب وسبل التعذيب المختلفة كأسلحة حرب. قالت إحدى الضحايا التي كانت محتجزة في المشفى لمرضها الشديد في العام 1999م "كنت أُغتصب كل ليلة، واستمر الأمر أكثر من شهر". وقالت إنها كانت "تتعرض للاغتصاب من ستة أو سبعة جنود كل ليلة بشكل متتال، وأحيانا في سريرها في المستشفى. لقد مررت بكل الأشياء الفظيعة، اقتلعوا أسناني، وضربوني، وعندما يأتي الليل كنت أعرف تماما ماذا سيحل بي". وهذه الجريمة تكررت مع أكثر من 70,000 مسلمة على أقل التقديرات.
وكما عهدنا المجتمع الدولي الصليبي الذي لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة، والذي يتظاهر بالتقدم وحماية حقوق الإنسان، كان عليه تقديم كبش فداء، يعاقبهم أمام الرأي العام العالمي، حتى يبرئ "ذمته" من سكوته وتواطئه مع الصرب على جرائمه، لذلك قدّموا بعض قادة الصرب السياسيين والعسكريين للمحكمة الدولية، ومن تلك المهازل إصدار محكمة الجزاء الدولية بلاهاي الخاصة بجرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة قبل نحو عامين بالسجن المؤبد على القائد العسكري السابق لصرب البوسنة الجنرال راتكو ميلاديتش وأدانته بجرائم إبادة جماعية في حق مسلمي البوسنة، فتم اختزال تلك المجازر البشعة بمحاكمات صورية، لم تتم فيها معاقبة الجناة، ولا عشر معشار عدد الجناة، بما يتناسب مع جرائمهم، لذلك بقي الجناة أحرارا طلقاء ولم يقدَّموا إلى المحاكمة ولم يقتص منهم ولم تُقم الحدود عليهم ليومنا هذا.
إن هذه الجرائم وغيرها من الجرائم التي اقترفها الكافر المستعمر بحق المسلمين، لا تسقط بالتقادم، كما يظن بعض القانونيين الغربيين، بل إن جرائم فرنسا في أفريقيا، قديما وحديثا، وجرائم إيطاليا في ليبيا، وجرائم أمريكا في العراق وأفغانستان، وجرائم الصين في تركستان الشرقية، والبوذيين في بورما، وجرائم يهود في الأرض المباركة فلسطين، وكذلك جرائم الصرب في البوسنة والهرسك، كل هذه الجرائم محفوظة في ذاكرة الأمة، وسواء طال الزمان أم قصر ستحاسب الأمة جلاديها وقاتليها ومغتصبي نسائها بالقسطاس المستقيم، وستقيم عليهم جميعا الحدود الشرعية التي تشفي صدور قوم مؤمنين.
إن كثرة الجرائم البشعة التي اقترفت في جنب المسلمين كثيرة في العصر الحديث، منذ هدم دولة الخلافة العثمانية قبل مئة عام، ولعل هوان المسلمين على الكفار هو الذي جعلهم يتمادون إلى يومنا هذا في انتهاك هذه الحرمات، والسبب في ذلك هو انحطاط الكفار العقائدي والفكري، فهم يحملون عقائد وأفكاراً زائفة منحطة، فعقائدهم وأفكارهم الهمجية وغير الإنسانية تبيح لهم اقتراف كل جريمة بحق الإنسانية وبحق المسلمين بشكل خاص، لذلك لا رادع لهم إلا القوة التي تضع لهم الحدود فتنسيهم وساوس الشيطان، لذلك كان وجوب العمل لإقامة سلطان للإسلام والمسلمين من أعظم الواجبات بعد الشهادتين، كيف لا وسلطان الإسلام هو الذي يحمي بيضة المسلمين وأغلى ما يملكون من دم ومال وعرض، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» رواه مسلم.
رأيك في الموضوع