قضية الاضطرابات من جانب المتمردين المحليين في مقاطعة كابو ديلجادو في موزمبيق، والغاز الطبيعي الغني في شمال البلاد تتزايد وأصبحت أكثر تهديدا ليس فقط للحكومة الموزمبيقية والمدنيين ولكن للدول المجاورة أيضا.
قبل أيام حثت كتلة جنوب أفريقيا تحت رعاية مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية، الدول الأعضاء على دعم موزمبيق في مكافحة ارتباط المليشيات بتنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة. بينما أرسلت تنزانيا بالفعل قواتها إلى حدودها مع موزمبيق لتعزيز الأمن ووقف محاولات المتمردين لعبور الحدود.
وسجلت الأمم المتحدة 28 هجوماً في المنطقة منذ بداية عام 2020، أسفرت عن مقتل ما يصل إلى 400 شخص وتشريد ما لا يقل عن 100 ألف شخص آخرين.
تعتبر منطقة شمال غرب موزمبيق منطقة حضارية حديثة وتطورت قبل الاحتلال البرتغالي والاستعمار اللاحق عام 1505م. وكانت جزءاً من سلطنة كيلوا شبه الإسلامية تحت حكم علي بن حسن الشيراز حوالي سنة 1200م. ولكن في الصورة الأوسع، حتى اسم "موزمبيق" جاء من اسم موسى بن مالك، وهو تاجر عربي زار المنطقة لأول مرة وعاش هناك.
خلال حركة (الاستقلال) ضد الاستعمار البرتغالي في موزمبيق، لعبت مقاطعة كابو ديلجادو دوراً محورياً منذ عام 1964، باعتبارها قاعدة مهمة تخدم مقاتلي "فريليمو" من تنزانيا.
تتمتع كابو ديلجادو، باعتبارها أكثر مناطق المسلمين اكتظاظاً بالسكان، ولديها احتياطي هائل من الموارد الطبيعية، وهي أكبر حقول الغاز البحرية غير المستغلة في العالم بقيمة 60 مليار دولار. وعلى الرغم من وفرة الموارد الطبيعية، إلا أن وجود عدد كبير من المسلمين بالرغم من عظمة تاريخهم وحضارتهم الإسلامية وكذلك دورها في مكافحة الاستعمار البرتغالي، إلا أن المنطقة هي واحدة من أفقر المناطق والأماكن التي تتجاهلها الحكومة.
رغم وجود حقول الغاز في المقاطعة مثل إكسون موبيل وتوتال، إلا أن لديها سجلات مروعة بشأن الجرائم بما في ذلك عصابات المخدرات والشبكات المتعلقة بالاتجار بالهيروين بالإضافة إلى السكان المحليين الفقراء الذين يعيشون في فقر مدقع، كما وأُعيد توطين الآلاف الآخرين من الأرض لإفساح المجال لمحطات حقول الغاز الجديدة.
كل هذا أثار الكثير من الأزمة المستمرة في المنطقة. "اجتماع سبع منظمات غير حكومية في منطقة بيمبا في 23/08/2019 حول قضية التمرد في كابو ديلجادو، وأُلقي باللوم على الفقر ونقص التنمية والدعم الحكومي لشركات التعدين والغاز الكبرى بدلاً من تطوير السكان المحليين".
لذلك استغلت عناصر أجنبية الوضع في شمال موزمبيق في ظل التهميش. في البداية، شارك السكان المحليون بجهودهم الخاصة للتنمية في بناء بعض المدارس والمستشفيات وحفر آبار المياه، وما إلى ذلك. وكونها محافظة ذات أغلبية مسلمة، فقد ظهرت جماعة الحركة الإسلامية التي بدأت كمشاريع تحقق لهم حقوقهم مثل المبادرة لمكافحة الفقر المدقع والتهميش الحكومي في المنطقة.
في عام 2017، كان هناك قمع وتخويف حكومي قاس للسكان المحليين ومبادراتهم الإنسانية، التي خطط الرأسماليون للاستفادة منها، ثم ظهر الصراع المسلح والحماس الديني للجماعة الإسلامية، فبدأت بالرد على قمع الحكومة، والسرقة والظلم من خلال القتال باسم الإسلام.
في التطورات الأخيرة، تم تسليط الضوء على المشاركة الأمريكية في الأزمات، كما حدث في حزيران/يونيو 2019 عندما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم، وتورط فرع التنظيم في ولاية وسط أفريقيا.
أكثر ما يرجح في هذه الأزمة هو أنها بدأت كأزمة إنسانية، ولكن أدى القمع الحكومي القاسي والاضطهاد وتقويض الجهود المحلية ضد الفقر المدقع على الرغم من الموارد الهائلة في المنطقة، أدى إلى تحولها لأزمة اضطرابات مسلحة خاصة بعد التدخل الأمريكي.
لا يختلف الوضع عن العديد من الأماكن الأخرى، حيث توجد الموارد الطبيعية أو حيث يقيم المسلمون بشكل كبير. وينطبق هذا السيناريو المماثل على دلتا النيجر والكونغو ودارفور وغيرها، حيث تسبب الدول الرأسمالية، وخاصة أمريكا، العنف والاضطرابات للحد من الشركات التنافسية بالإضافة إلى مناطق زعزعة الاستقرار لتتغاضى عن شكاوى السكان المحليين.
باستخدام دعاية الحرب على (الإرهاب)، نجح الكفار والمغيبون مثل تنظيم الدولة في تحويل العديد من الأماكن بما في ذلك المناطق الإسلامية إلى ساحات معارك حرب أهلية والتي من المرجح أن تحدث في شمال موزمبيق.
في الختام، نقول للمسلمين في موزمبيق، يجب إنقاذ أفريقيا من الاستغلال الرأسمالي من خلال الإسلام، ولكن في ظل دولة الخلافة وليس في ظل عصابة تنظيم الدولة الإسلامية وأشباهها. والطريقة الشرعية لإقامة هذه الدولة هي الكفاح السياسي والصراع الفكري وليس عن طريق القتال أو الانخراط في أي نوع من العنف.
بقلم: الأستاذ سعيد بيتوموا
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تنزانيا
رأيك في الموضوع