يواجه الرئيس السوداني عمر البشير حركة تظاهرات شعبية متواصلة في السودان وذلك لانزلاق النظام في براثن أزمةٍ اقتصادية حادة، ذاق مرارتها كل أهل السودان منذ انفصال الجنوب في العام 2011، حيث فقدت الحكومة النفط المنتج من حقول الجنوب كلها، فاستأثر الجنوب بثلاثة أرباع الناتج الكلي، ما أدى إلى عجز السودان عن سد حاجته من الوقود، وضياع مصدر أساس للنقد الأجنبي، بالإضافة إلى السياسة المالية التي تتبعها الحكومة، بحجب السيولة عن الناس، وعجزها عن توفير دقيق الخبز، فأصاب أهل السودان شلل في الحصول على الحاجات الأساسية، شمل كل الطبقات، غنيهم وفقيرهم، حيث قالت وكالة الأنباء السودانية إن معدل التضخم بلغ 72.94 في المئة في كانون الأول/ديسمبر ارتفاعا من 68.93 في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. فكان رفع الدعم المزعوم عن الخبز والوقود، واستمرار السياسات المالية المملاة من صندوق النقد الدولي وغيرها، هي التي أدت إلى عدم الرضا الذي يشعر به كل أهل السودان، وصار البشير يواجه حالةً من الاستياء المتصاعد حتى داخل حزبه الحاكم. فكانت الاحتجاجات والتظاهرات، التي اندلعت في كل مدن السودان مضت عليها حتى الآن أربعة أسابيع.
بدأ النظام باستعمال القوة المفرطة في قمع التظاهرات، وطار عقله، فهو غير مصدّق لما يحدث في السودان، فأمر مليشياته بالقتل بلا هوادة، والتضييق على المتظاهرين أينما كانوا، بل وصل الحال أن تقذف مليشياته القنابل المسيلة للدموع داخل مراقد المرضى بالمشافي، وداخل البيوت الآمنة، والاقتصاص من كل من يهتف ضد النظام البالي، حيث اتهُم المتظاهرون السلميون بالعمالة والخيانة، وسماهم البشير بالمخربين، والمندسين. وبحسب "رويترز" قامت السلطات السودانية بحجب مواقع للتواصل الإلكتروني استُخدمت في الدعوة للاحتجاجات، ظناً منها بقطع التواصل بين أهل السودان، هذه كلها جرائم تضاف إلى سوءات هذا النظام... ولا تزال التظاهرات مستمرة، لفداحة الظلم الذي وقع على أهل السودان، ولغياب أفق الحل لدى قادة هذه الحكومة. ولما عجزت عضلات الحكومة عن مقارعة المتظاهرين، استمع البشير إلى بعض من (نصحوه)، حيث (نشرت مواقع سودانية صورة للقاء جمع الرئيس البشير، بوفد من هيئة علماء السودان، تم بشكل سري... ما دفع الشيخ عبد الحي يوسف لكشف ملابسات اللقاء، حيث كشف عن نصيحة مكتوبة سلمها الوفد للبشير بعد أن قُرئت عليه، مشيراً إلى أنه خاطب الرئيس في نقاط عدة، بينها أن إراقة الدماء حرام، وأن الدولة مسؤولة عن كل دم يُسفك... وطالب الشيخ يوسف الرئيس السوداني بـ"تطييب خواطر الناس بالوعد الصادق والكلام الطيب"، كما شدد على عدم "استفزاز مشاعر الناس، فهذا حرام لا يليق". عربي بوست 19/01/2019م).
لعل البشير قد أدرك عاقبة أقواله وأفعاله، وطريقة تعامله مع التظاهرات السلمية، ومن فوره هذا غير لهجته ولوى لسانه، (أكد الرئيس السوداني، عمر البشير، السبت 19 كانون الثاني/يناير 2019، وبحسب موقع "عربي بوست الأحد، 20 كانون الثاني/يناير 2019م"، قال البشير إن (خروج الشباب في هذا المنحى مبرر...) وأوضح أن (الشباب هم مستقبل السودان، وستحقق لهم الدولة مطالبهم العادلة، وستحل لهم مشاكلهم). إن تغيير اللهجة لا يغير من فساد النظام وظلمه، حيث لا ينفع تطييب الخواطر ولا غيره، ولا بد من تغيير حقيقي على أساس الإسلام العظيم.
وسط هذه الأجواء التي تبشّر بالتغيير، تتقاطع القوى الدولية والإقليمية والمحلية، وتتصارع في الحصول على نصيب الأسد من المغانم، وبحسب عبد الوهاب الأفندي فإن دول المنطقة "تعارض أي انتفاضة ناجحة من أي نوع" في السودان، "وترى أنه إذا حدث ذلك، فستكون التالية". فحذار من تلك (النصائح) التي تأتي منهم. ولا ننسى الأوروبيين! فقد قال مصدر دبلوماسي أوروبي: "تعتبر دول مثل الصين وروسيا، السودان كبوابة دخول إلى أفريقيا، وسواء تعلق الأمر بهما أو بالغربيين، فلا أحد يرغب في انهيار السودان". وأشار المصدر إلى أنه وإن كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "لا يدعمان البشير"، الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب وإبادة في دارفور، فإنهما يعملان مع سلطات الخرطوم لضمان "بقاء السودان مستقراً". وأضاف (إن القوى الدولية والإقليمية لن تترك السودان ينهار) (عربي بوست)... وذلك لعلمهم بأن هذه الحكومات والدول هي وظيفية، تتنافس في إرضاء الكافر المستعمر، بتنفيذ مخططاته كما هو الحال في السودان.
وسواء أطال أمد التظاهرات أم قصر، فإن الغرب الكافر عموماً وأمريكا بصفة خاصة، تسعى جاهدة إلى تغيير سلس في الحكومة الحالية، بحيث تبدل عميلاً انتهت صلاحيته، وانكشف عواره، بعميل آخر بوجه جديد، ليتم مخطط الغرب، الرامي إلى تمزيق السودان إلى دويلات هشة، يسهل هضم ثرواتها، وإذلال شعبها، بعد إظهار العميل الجديد بثوب البطل المنقذ! ومن ضروب الحرب على الإسلام لا بد من إظهار العلمانية بوجهها الحقيقي بدل التستر بشعارات الإسلام، فحذار حذار من مثل هذه الشراك التي نُصِبت من قبلُ لأهل مصر وتونس وغيرها من البلاد التي سُرقت ثوراتها.
مثل هذه الثورات حري بها أن تنجب نظاما على أساس مبدئي ينقل حياة الناس من جور وظلم الرأسمالية، إلى عدل الإسلام ورحمته، في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ يعقوب إبراهيم (أبو إبراهيم) – الخرطوم
رأيك في الموضوع